تداعيات أزمة قطاع الأدوية في سورية أدوية مفقودة وأخرى مزورة ومتاجرة بـ«المنومات»

تداعيات أزمة قطاع الأدوية في سورية أدوية مفقودة وأخرى مزورة ومتاجرة بـ«المنومات»

مازال قطاع الأدوية في سورية يعاني من عدة مشاكل عاصرت الأزمة الأمنية والاقتصادية، بالإضافة إلى مشاكل جديدة طرأت مؤخراً، وذلك رغم الوعود الحكومية بحل القضية، من أهم المشاكل التي يتعرض لها قطاع الأدوية، هو تكرار فقدان بعض الأصناف من الأسواق، وسط تحذيرات جديدة من وجود أنواع مزورة وذات تركيبة غير مفيدة، إضافة إلى تجارة بعض الصيادلة بالأدوية المخدرة وذات التأثير المنوم بأسعار مرتفعة.

ومازالت قضية فقدان بعض أصناف الأدوية من السوق تراوح مكانها رغم تحذيرات الصيادلة المتكررة من القضية، وشكاوى المواطنين من فقدان هذه الأصناف الدوائية أو شحها مراراً، إلا أن ذلك لم يردع «تجار الأزمة» من استغلال حاجة المرضى لزيادة أرباحهم إما باحتكارها عبر المستودعات وبيعها مع أنواع كاسدة للصيادلة، أو احتكارها من قبل الصيادلة أنفسهم وبيعها بأسعار مرتفعة، وسط غياب الرقابة الحكومية.
شكاوى وتطمينات
يؤكد أحد الصيادلة في ريف دمشق لـ«قاسيون» وجود نقص بأغلب أنواع الأدوية المهمة «للأطفال والقلب والسكري والأمراض المزمنة»، منها بخاخات الربو وأدوية التشنجات، وبعض أدوية السرطان وإبر الأنسولين.
وأكد الصيادلة أن بعض الأدوية المفقودة ليس لها بديل، ما دفع كثيراً من المرضى لشراء الأدوية المهرّبة مجهولة المصدر وأحياناً «المزورة» وبأسعار مرتفعة جداً.
في حين يشير التوضيحات الحكومية حول قضية انقطاع أصناف دوائية معنية كل فترة، إلى توقف بعض المعامل وخاصة في حلب، إضافة إلى الإجراءات الروتينية للاستيراد، والتي قد تأخذ وقتاً.
وأكدت وزارة الصحة على لسان رئيسة شعبة المخدرات لديها، ماجدة الحمصي، بأن «إحصائيات الوزارة تشير إلى أن نسبة الأدوية المتواجدة في السوق السورية تصل إلى ما نسبته 85%، بينما الأدوية المفقودة لا تتجاوز الـ 15%».
وتابعت الحمصي في حديث إذاعي لها أن «الأدوية المحلية تغطي الحاجة العظمى للسوق، لكن يجب أن نراعي صعوبة النقل بين المحافظات» مشيرةً إلى «استعانة بعض معامل الأدوية بمعامل أخرى محلية، لتصنيع أدوية معينة لديها إن كانت خطوط إنتاجها لا تكفي».
وقالت الحمصي إن «الأدوية التي تفقد من الأسواق بغالبها كانت تصنع في المعامل التي توقفت عن العمل، لذلك فقد تواصلت الوزارة مع عدة جهات دولية مانحة لتزويدها بالأدوية في بعض الأحيان أو عبر الدول الصديقة وعلى رأسها إيران».
التبرير وروتين المراسلات!
القضية كانت مختلفة بالنسبة لخازن نقابة صيادلة سورية، طلال العجلاني، الذي أشار إلى أن معامل الأدوية المحلية لا تعطي كل طاقتها. وأكد أن عدد المعامل المتوقفة حالياً يصل إلى 25 معملاً من أصل حوالي 73 معملاً، مضيفاً أن المعامل الفعالة لا تعمل بأكثر من 40 إلى 50% من طاقتها، لذلك يتم اللجوء في أغلب الأحيان إلى الاستيراد بعد مراسلة المعامل لتأمين الصنف الدوائي، وفي حال عدم قدرتها على التأمين، يتم اللجوء إلى الدول الصديقة ومنها إيران، أو دول أخرى في حال عدم توفره لدى تلك الجهات، ونتيجة هذه الإجراءات قد ينقطع الصنف الدوائي من السوق لحين تأمينه.
وأشار العجلاني إلى فقدان حوالي 250 صنف دوائي في سورية، وأغلب هذه الأدوية هي لمعالجة مرض السرطان، قائلاً إنه قد «صدرت مؤخراً قائمة بأنواع الأدوية الناقصة وهي بحدود 250 صنف بين استيرادي ومحلي» مؤكداً أنها «ليست جميعها مفقودة بشكل كامل، وبعضها متواجد بشكل قليل ونسعى لتأمينه قبل فقدانه».
بين النفي والتأكيد
قضية نقل معامل الأدوية من المناطق الساخنة إلى الآمنة، كانت إحدى أكثر المحاور أهمية لتأمين الأدوية المنقطعة من الأسواق. وعلى هذا قالت الحمصي إنه «تم نقل أكثر من معمل من مناطق ساخنة إلى آمنة» دون تحديد العدد أو الأسماء، مكتفية بالقول إنه «تم نقل أكثر من معمل دوائي إلى محافظتي اللاذقية وطرطوس».
حديث الحمصي، كان منفياً من وجهة نظر العجلاني، الذي أكد بأنه «لا يوجد حتى اليوم نقل لأي معمل وخاصة إلى محافظتي طرطوس واللاذقية»، وقال «لم يتم التجاوب من قبل وزارة الصناعة  بإلغاء البيروقراطية في الكشف الحسي عن المعامل، ولم يتم نقل أي معمل من حلب، وإلى الآن لم يبدأ عمل أي معمل منقول».
وتابع «نرجو من جميع المحافظين تسهيل الأمور التي تتعلق بنقل معامل الأدوية كونها شرياناً رئيسياً للبلد».
وفي سياق آخر، أكد رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي منذ حوالي الأسبوعين تقريباً، وجود بعض الأدوية المزورة التي لا تتوافر فيها تركيبة المادة الدوائية الدقيقة، وبالتالي تكون هذه الأدوية غير فاعلة.
وأشار إلى ارتفاع أسعار بعض الأدوية، وطلب من وزير الصحة بالتنسيق مع نقابة الصيادلة متابعة الموضوع ووضع الآليات المناسبة للمتابعة ومحاسبة المتلاعبين بتركيب المواد الدوائية ومراقبة أسعار المواد الطبية والدوائية.
«الصحة» لم تضبط شيئاً!
وقبل تصريحات الحلقي، طلبت وزارة الصحة من نقابة صيادلة سورية، حزيران الماضي، التعميم على كافة الصيادلة قرار سحب تداول وإتلاف مستحضر «سوتكس»، وهو شراب سائل للبالغين من إنتاج «معمل البلسم» التحضيرة رقم 88، بعدما أظهرت النتائج أن المستحضر ليس ضمن المواصفات المقبولة للعينات التي تم تحليلها، لوجود عدد لا يحصى من المستعمرات الجرثومية.
وطلبت وزارة الصحة حينها، من نقابة الصيادلة التعميم على كافة المستودعات في سورية، بمنع تداول ومصادرة كامل الكمية وإتلافها أصولاً من دواء «كانليجيزيك»، مع إرسال عينات منه إلى مديرية الرقابة الدوائية في وزارة الصحة، والإعلام عن أماكن تواجده واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين، وقد بدأت هذه الإجراءات استناداً إلى شكوى واردة من معمل «القنواتي للصناعات الدوائية»، مرفقة بكتاب من نقيب صيادلة العراق، ينبه بوجود مستحضرات مقلدة في سورية.
وفي العودة إلى تحذيرات رئيس مجلس الوزراء، يتم استنتاج وجود أكثر من نوع مقلد وغير فعال من الأدوية في الأسواق لم يتم ضبطها بعد، إلا أن وزارة الصحة اعتبرت هذا التحذير بمثابة تعميم تحذيري وليس بالضرورة أن تكون هناك أنواع منشترة بهذا الصدد، وعلى هذا تحركت الدوريات للتحري.
ولم تذكر رئيسة شعبة المخدرات في وزارة الصحة، ماجدة الحمصي، أية أنواع مزورة تم ضبطها مؤخراً بالاسم، قائلة إنه «تم ضبط بعضها». وتابعت «في حال وجود أي شكوى نقوم بالتحري وفحص الدواء ونصدر تعميماً لعدم استخدام هذه الأنواع».
وعدم صدور تعميم من قبل الوزارة يشير إلى أن الوزارة لم تضبط أي صنف مزور بعد رغم تأكيدات الحلقي.
وفي هذا الصدد أكد خازن نقابة صيادلة سورية عدم ضبط أي صنف دوائي مزور في الفترة الأخيرة، سوى الصنف الذي ورد من العراق والذي تمت الإشارة إليه.
المتاجرة بالأدوية المخدرة
وفي قضية أخرى ليست بأقل أهمية من سابقاتها، حذر بعض الصيادلة في ريف دمشق، من الاتجار بالأدوية المخدرة والحبوب المهدئة عبر بعض الصيادلة، وبمبالغ عالية وخاصة للمراهقين، ومن هذه الأدوية المهدئ «هيكزول»، والذي يباع دون وصفة بـ3000 ليرة سورية، علماً أن تسعيرته الحقيقة هي 200 ليرة سورية، إضافة إلى دواء «بيركو» الذي يباع دون وصفة بـ2000 ليرة وتسعيرته الحقيقة بـ500 ليرة، بالإضافة لأنواع أخرى لها ذات التأثير.
وأكد الصيادلة، أن هذه الأدوية عبارة عن مهدئات نفسية ومنومات، وفي حال استخدامها دون وصفة طبيب وبطريقة غير سليمة، قد تؤدي لتلف الخلايا الدماغية.
ومن جهتها أكدت وزارة الصحة، «صعوبة ضبط هذه المخالفات»، كون الدوريات الصحية لا تخرج ليلاً علماً أن أغلب الصيدليات تعمل بدوامين، أي ان وقوع المخالفة ليلاً قد يكون بعيداً عن أي رقابة.
الضوابط صعبة التنفيذ!
وقالت الحمصي إن «الوزارة تقوم بالإشراف على بيع الأدوية المخدرة ضمن ضوابط معينة، ولدينا مديريات رقابة تقوم بالرقابة بشكل دائم، إلا في حالات تواجد الصيدليات في أماكن لا يمكن الوصول إليها بسبب الأوضاع الأمنية».
وتابعت «يجب على مستودعات الأدوية، والصيدليات، تدوين كمية الأدوية النفسية التي يحصلون عليها، وتدوين مبيعاتهم من هذه الأصناف على سجلات خاصة، وهنا تتم الرقابة من قبل الوزارة»، مشيرةً إلى أنه «يمكن تطبيق هذه الضوابط على صيادلة دمشق، لكن من الصعب تطبيقه على كل صيادلة القطر».
وبناء على ما تقدم يتبيّن حجم ما تعرض له قطاع الأدوية في سورية من نكسة كبيرة، بعد ما كان يغطي 90% من حاجة البلاد، وكان للحصار الاقتصادي وتوتر الأوضاع الأمنية أثر سلبي كبير على هذا القطاع، عدا عن الاعتداء على المعامل وصعوبة النقل، مع ارتفاع سعر صرف القطع الأجنبي في ظل غياب الدور الفعال للحكومة رغم وعودها.