البنك الدولي: تجّار لبنان استفادوا من الحرب في سورية
طوال فترة الحرب السورية الممتدة منذ ربيع عام 2011، كان الاعتقاد السائد أن المستفيد الوحيد لبنانياً على المستوى الاقتصادي هو مرفأ بيروت. غير أن دراسة نشرها البنك الدولي أخيراً توصّلت إلى نتائج «مفاجئة»، بينها أنّ الأزمة السورية قد تكون شكلت إفادة لتجار السلع والخدمات اللبنانية؛ من جهة، حفّز اللاجئون السوريون الطلب المحلي، ومن جهة أخرى سدّ المنتجون اللبنانيون الفراغ التي أحدثته الحرب في السوق السورية والأسواق الأخرى.
تشكل سورية المنفذ البري الوحيد للبنان. لم يكن الأمر دوماً كذلك، فقبل النكبة وقيام إسرائيل منتصف القرن الماضي كانت القوافل التجارية ــ وحتى السياحية العائلية ــ تمشّط الممرات الجنوبية بينه وبين فلسطين؛ يُمكن استذكار تفاصيل الأسفار على الدواب مع أي معمّر لبناني أو فلسطيني من تلك الحقبة.
غير أن خصوصيات الشرق الأوسط والمصالح الإمبريالية فرضت جغرافياً الفصل منذ عقود طويلة. وجاءت الحرب السورية لتطوّق البلاد كلياً على مستوى التجارة البرية، بخلاف ما عهدته على الأقل منذ ربع قرن.
هكذا، ونظراً إلى ارتباط اقتصاد لبنان حيوياً بالشريان التجاري الإقليمي عبر الرئة السورية، وبسبب تأثر قطاعه الخدماتي بهذا الواقع، كان لا بدّ من تحليل أثر انعكاس الصراع الدموي على النشاط التجاري اللبناني. فقام فريق بحثي من البنك الدولي ومن جامعة دبلن بإعداد دراسة تحت عنوان «تأثير الصراع السوري على التجارة اللبنانية»، توصلت إلى خلاصة عامة: انعكاسات الصراع السوري ليست كلها سلبية، بل قد تكون مفاجئة في بعض المجالات.
«مستندة إلى أدوات تحليلية عديدة»، توصلت الدراسة إلى أن انعكاسات الحرب السورية على التجارة اللبنانية جاءت متفاوتة، وخلافاً لبعض الاعتقادات الخاطئة، يعود تراجع الصادرات اللبنانية بين عامي 2011 و2013 إلى انخفاض الطلب على المجوهرات والأحجار الكريمة في الأسواق المستهدفة، وتحديداً سويسرا وأفريقيا الجنوبية، وليس إلى بدء الصراع.
تلحظ الدراسة أنه في المعدل، خسر كل مصدّر لبناني كان يتعاطى التجارة مع السوق السورية 90 ألف دولار في عام 2012 ــ عبارة عن أعمال فائتة ــ أي ما يعادل ربع مستوى الأعمال الذي كان سائداً قبل الأزمة السورية. ولكن هذه النتيجة ليست مطلقة على جميع المصدرين وفي جميع القطاعات. ففيما تأثر سلباً مصدرو السلع المصنعة، «ولّدت الأزمة السورية فرصاً للمصدرين اللبنانيين لاستبدال خسارة الإنتاج في السوق السورية وفي باقي الأسواق المرتبطة بها».
من بين هؤلاء يبرز منتجو المواد الغذائية، حيث «استفادت تجارة المشروبات والتبغ وإلى حدّ ما الزراعة والصناعات الغذائية، نظراً إلى أنها استبدلت ما خسره الإنتاج السوري». مثلاً، سجلت صادرات القمح اللبنانية إلى السوق السورية ارتفاعاً بواقع 14 ضعفاً بين عامي 2011 و2013.
هكذا تظهر استفادة لبنان التجارية من الأزمة السورية على وجه الخصوص في مجال الصادرات الغذائية. «لقد قضت الحرب على معظم بنية الإنتاج والتصنيع (بما فيها حلقات الإنتاج الزراعي)، وتحديداً في حلب وفي حمص، وبالتالي أدت إلى القضاء على الإنتاج الزراعي». و«سجلت الصادرات الزراعية اللبنانية إلى سورية وإلى البلدان المجاورة المتأثرة بأزمتها ارتفاعاً ملحوظاً»، تقول الدراسة، وتخلص إلى أن هذا النمو أدى إلى ارتفاع في صادرات الغذاء اللبنانية عموماً من 482 مليون دولار في عام 2010 إلى 695 مليون دولار في عام 2013».
عموماً يتضح أن الصادرات اللبنانية إلى سورية استمرت بالارتفاع أو الثبات بعد اندلاع الأزمة السورية، فيما هوت الصادرات الأردنية، كما انهارت الصادرات التركية قبل أن تستعيد عافيتها مجدداً، إلا أنها لم تبلغ مستواها في عام 2010.
«في المحصلة، كان المصدرون اللبنانيون أكثر فاعلية في احتواء مفاعيل الازمة السورية مقارنة بالمصدرين من البلدان المجاورة الأخرى»، تقول الدراسة.
اللافت هو أن الأزمة السورية أدت أيضاً إلى تغيير هيكلي في بنية الصادرات الغذائية اللبنانية؛ فمن جهة، أدت إلى تحويل جزء من تلك الصادرات من باقي بلدان العالم إلى بلدان الشرق الأوسط. وأكثر من ذلك يُلحظ خلال تلك الفترة أن الواردات اللبنانية من السلع الغذائية من باقي دول العالم سجلت نمواً بنسبة 20%. «وقد يعود هذا النمو إلى تلبية السوق المحلية بعدما توجه الإنتاج الغذائي لتلبية الأسواق الخارجية، أو قد يعود إلى ازدياد الطلب المحلي الناجم عن طلب اللاجئين السوريين».
تأتي هذه الخلاصات بعدما كان الاعتقاد السائد أن تأثير الأزمة السورية كان سلبياً محضاً، ولم يؤدّ سوى إلى تغيير مسارات التصدير والبحث عن طرق جديدة للتصريف.
وتذكر الدراسة في هذا السياق أن مرفأ بيروت استفاد من تسكير الحدود وتوقف مرور الشاحنات إلى السوق السورية وعبرها إلى البلدان العربية الأخرى التي تُعدّ هدفاً للمصدرين اللبنانيين. فوفقاً لحسابات خبراء البنك الدولي، فإنّ إغلاق معبري العبودية والمصنع الرئيسيين بين لبنان وسورية أدى إلى ارتفاع حصة مرفأ بيروت من الصادرات اللبنانية من 28% فقط في عام 2012 إلى 44% في عام 2013، كذلك ارتفعت حصته من إجمالي الواردات اللبنانية من 66% إلى 71% (يُشار إلى أن هذا النمط ليس مستداماً، إذ سُجّل انعكاس فيه خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2014).
من جهة أخرى تركز الدراسة أيضاً على تأثير اللاجئين السوريين على صادرات الخدمات، وتشدّد في خلاصاتها على ضرورة ابتكار الوسائل الملائمة لدمجهم.
وتخلص الدراسة إلى أن صمود لبنان في مجال تصدير الخدمات يعود إلى الطلب الذي ولّده اللاجئون السوريون على الخدمات اللبنانية. «صحيح أن تدفق اللاجئين السوريين كان له تأثير اقتصادي اجتماعي واسع... إلا أن تحليلنا يُظهر أن كل زيادة بنسبة 1% في عدد اللاجئين ترفع الصادرات من الخدمات (أي الخدمات التي يشتريها الأجانب) بنسبة 1.5%، بعد شهرين». وهذا التأثير الإيجابي الذي يُحدثه اللاجئون في الاقتصاد المضيف ليس غريباً، فهو مرصود في تجارب أخرى مثلما حدث في تانزانيا مع اللاجئين من بوروندي ومن راوندا.
وفي الحالة اللبنانية تحديداً، يذكر معدّو الدراسة أنه على العكس من باقي الاقتصادات في المنطقة فإن صادرات لبنان من الخدمات لا تعتمد فقط على السياحة والنقل، بل تشمل أيضاً قطاعات حديثة مثل الخدمات المالية، العقارات وخدمات الأعمال.
«وعموماً، فإنّ صادرات الخدمات غير السياحية اللبنانية نمت بلا هوادة خلال الحرب السورية». فعلى الرغم من أن القطاع العقاري شهد تراجعاً خلال عامي 2011 و2012، استعاد نشاطه عام 2013. أيضاً في القطاع المالي، رغم أن بعض المصارف تكبّدت خسائر من جراء أعمال فروعها في سورية، «بقيت صامدة خلال الأزمة».
المصدر: الأخبار