من الذاكرة: على أجنحة الشعر
كعادتي التي أدمنت عليها، أزور الرفاق والأصدقاء، ففي حنايا القلب وفي تلافيف الدماغ عرفان لكل من بنى لبنة في صرح الحزب، ولكل من عمل ويعمل لخير الشعب والوطن. زرت الصديق الشاعر عبد الغني العظمة، استعدنا خلالها الكثير من الذكريات ولاسيما المرتبطة بأمهاتنا الراحلات.
وأم صديقي كانت واحدة من النساء الرافضات للظلم والظالمين، والمتعاطفات مع الفقراء، والمقدرات لدور الشيوعين في الدفاع عن المحرومين والمستضعفين، فهي (على سبيل المثال) حين سافرت مع عبد الغني إلى ألمانيا عام 1980 لزيارة ابن لها يقيم في برلين، مرت بالقرب من بيت كارل ماركس، فأبدت رغبتها في الدخول إلى البيت وهناك «قرأت له الفاتحة» لأنه «رئيس» الشيوعيين الذين يناضلون دفاعاً عن حق المظلومين في حياة حرة وكريمة. وقد أسمعني الصديق الشاعر آخر قصيدة كتبها عن أمه، ومنها:
«كم مضت من السنواتْ.. وروح أمي لم تزل على الشرفاتْ
تنادي: تعال يا ولدي وانظر كيف تبدلت الحارات ونفوس الناس والمركبات
مستهلكون حتى المماتْ.. ما عادت تجدي الكلمات!»
ولأنني شاعر ملتزم قضية الحزب والشعب، عقبت بقولي: «الكلمات لابد ستجدي».
وها.. تراني الآن محلقاً على أجنحة الخيال إلى مئات القصائد التي أنشدتها، في طول البلاد وعرضها، معبراً بكل جوارحي عن انتمائي لصفوف الكادحين في العالم أجمع. ويسعدني الآن أن أشير إلى بعضها:
• عام 1956 في عيد الجلاء بدمشق: «ولكم قلت كثيراً.. وأنا الحامل في النبض وفي العينِ.. عذابات الجياع.. غضب القهر.. وأنين الفقرِ».
• عام 1959 في سجن المزة: «أختاه لا تبكي الأخ الغائبا.. عن عينك الحوراء في المزّةِ»
• عام 1962 في سجن القلعة: «في غد ينثر الأنجما.. فوق صدر السما.. رافع المنجل.. حامل المطرقة.. والشباب السعيد.. يزرع الكوكبا.. يرعش الطيب في كل هذي العيون».
• عام 1968 في قرية «أبو حمام» بعيد الفلاحين:
«وطني أعيذك من يمين خائن مسنونة أنيابه للردةِ».
• عام 1970 في جرابلس: « كل هذا الغضب المرتد يبقى.. يصلب القلب ولكن.. صرخة النار تجول.. يا رفاقاً عضهم ناب الطغاة».
• عام 1973 في ميسلون: يا عبير الزهر من قال البراعم.. لم تخضب بشذا الأحرار أقدام المقاتل.. وترددْ: باسل مشوارك الدامي على درب البطولة».
• عام 1974 في الاحتفال الخمسين لتأسيس الحزب: «إني قرأت على العيون شعارهم
قمم المصاعب تحت أقدام الشيوعي»
ويطول الحديث.. في عشرات الرحلات والمخيمات والاحتفالات والمنتديات والاعتصامات والمظاهرات: «لا تقولوا شاعر العمال فوار الخواطر.. كيف لي أن أمسك الأعصاب عن أغرودةٍ
لحنها حبّ الوطنْ.. عندما أسكب في الأشعار فيضاً من حياتي
وأغني للملايين الفقيرة.. تغمر العزة نفسي.. وأحس النبض منساباً كأنسام الصباح».