في مطار «القامشلي» الدولي : «التذكرة» وصلت لحاجز الـ50 ألف والفساد علني!!
من المؤكد أن الأزمة التي تمر فيها البلاد تركت الأثر السلبي في جميع مناحي الحياة لأبناء المحافظات كافة، إلا أنها بالنسبة لمواطني الحسكة إضافة أخرى تختلف عن باقي شقيقاتها، فهي تعاني الأمرين بعد توقف عشرات شركات النقل البري الخاص إضافة إلى القطار تباعاً خلال الفترة الماضية على تغطية تنقلات المواطنين بين المحافظات.
فالأزمة الحالية أجبرت المواطنين بصعوبة التنقل بالبر بسبب الوضع الأمني نحو المحافظات الأخرى، إذ يعتبر كل مواطن فيها محاصراً لحين يُفكَّ أسره. ولهذا يبقى السبيل الوحيد أمامهم السفر جواً عبر شركة الطيران السورية إما باتجاه القامشلي- اللاذقية ومن ثم دمشق أو العكس حسب تأمين البطاقة التي أصبحت حلماً لدى الكثيرين من المواطنين الذين ليس بإمكانهم الحجز بسبب الأرقام الخيالية التي وصلت الأسبوع الفائت لحاجز الـ50000 ألف أو لديهم وساطة!!.
اتفاق مسبق
موظفو الطيران أنفسهم يوزعون نسبة 90% من تذاكر مكتب الطيران التي تباع في السوق السوداء، وذلك عن طريق الموظفين أنفسهم، أو الجهات المعنية التي مهمتها حفظ أمن المطار والمكتب، لا التحكم بمنافذ القطع، فيتفقون مع المسافر على اللقاء خارج المكتب بأمتار، ويتم الحجز لمقعد أو أكثر وكل شيء بثمنه، هذه الحقيقة تحدث يومياً أمام مكتب القطع في شارع «الوحدة» بالإضافة إلى عدد من سماسرتهم المتوزعين في أحياء مدينة القامشلي، وأي مسؤول في الحكومة ووزارة النقل لديه أدنى شك بما نكتبه فليراجع مكاتب «السورية» ويرى بأم عينيه الإذلال والإهانة للمواطن من أجل الحصول على تذكرة. في وقتٍ يزيد عدد المسافرين يومياً بالمئات.
الحشود ومدخل المطار
موظفو المطار والمكاتب أنفسهم بثوا شائعات بين المواطنين أن عدداً كبيراً من المقاعد المحجوزة لا يأتي أصحابها أو يتأخرون لهذا السبب أو تلك، بالإضافة لعدد من المقاعد الإضافية للحالات الطارئة المخصصة للجهات المختصة والمسؤولين.
هذه الشائعة وحدها حوَّلت مدخل المطار عند الحاجز الأول فندقاً ومطعماً بـ«الفلا» لمختلف الأعمار تحت أشعة الشمس الحارقة، و«العجاج» الديري والبعوض الحسكاوي؛ منتظرين حتى ساعات الصباح الأولى أملاً بنيل إحدى البطاقات أو يأتي الحظ مع وصول طائرة الشحن التي ليس لها أي موعد ثابت أسبوعياً ومع ذلك لا يقطع المواطن أمله.
والمضحك أن طائرة الشحن في البداية كانت تنقل عناصر الجيش والطلاب وبعض المواطنين مجاناً، إلا أنها في الآونة رأت ضالتها بأخذ المعلوم من أي شخص يسافر عليها إن كان عسكرياً أو طالباً أو حتى على فراش الموت باعتبارها بلا مقاعد ومخصصة للشحن فقط!!.
المواطن «الغينسي»!
في لقائنا مع عددٍ من الركاب حصلنا على إجابات تستحق أن تدخل موسوعة «غينس» للأرقام القياسية، فالمواطن «جمعة. م» كان يقضي يومه الثاني عشر نائماً على مدخل المطار دون الحصول على تذكرة، يقول «أصبحت معروفاً لدى جميع عناصر الحاجز بسبب المدة الطويلة التي قضيتها هنا، ويومياً يأتيني الجواب ذاته من المساعد، «في حال تأخر أحدهم سنقطع لك» علماً أن بعض الأسماء على قلتها التي تأتي في آخر لحظة قبل انطلاق الرحلة تكون من السماسرة، أما أنا مضطر للانتظار هنا بدلاً من الرجوع للقرية التي ستكلفني 1200 ليرة سورية مواصلات»!!
وحسب «جمعة» فأنه تعرَّف على جميع الطرق الملتوية للقطع من خلال مشاهداته اليومية، يضحك من قلبه قائلاً «المضحك المبكي أن البعض أصبح يشكّ بأمري على أني أحد سماسرة المكتب لطول إقامتي هنا».
من القامشلي إلى أوروبا!
المواطن «صالح. ع» انتظر في القامشلي لمدة أسبوع كامل صباحاً أمام مكتب الطيران، ومساءً أمام مدخل المطار للسفر إلى دمشق مكان عمله وأسرته، فلم يستحوذ على تذكرة، اختياره كان من أصعب الاختيارات في حياته.
ويقول شقيقه رضوان «...قرر وبشكل مفاجئ الذهاب لأوروبا، وأنه لن يقيم بعد اليوم في مكانٍ لا يستطيع فيه تأمين تذكرة طائرة».
الأسعار بين 12 و50 ألف!؟
إن الأسعار بالسوق السوداء تفوق سعر البطاقة بثلاثة أو أربعة أضعاف أو سبعة. فخلالنا وجودنا بين الناس أخذنا أكثر من عيّنة من الأسعار، فبين الموجودين كان هناك من قطعها بسعرها الرسمي وهؤلاء القلَّة، وبعدها فوراً الأسعار المرتفعة، فكان هناك من قطع بـ12 ألف و15 ألف و17 ألف 25 ألف 30 ألف 42 ألف 50 ألف.
وفي هذا السياق قال لنا طالب، أمن تذكرة بـ42 ألف، «بعد ثلاثة أيام متواصلة أمام المكتب اضطررت التوجّه للسماسرة فأعطيت أحدهم 12 ألف على أساس ثاني يوم تكون التذكرة معي، وأثناء قدومي للمطار لم يتعرف أحدهم لا على السمسار ولا عليَّ فخسرت المبلغ بغمضة عين، فلم يبقَ أمامي سوى القطع بأي مبلغ لأن معي مادة واحدة للتخرّج فقطعت بـ30 ألف!!».
مواطنون بلا وساطات
أمام مكتب الطيران وحين علمَ بعضهم أننا إعلاميون سوريون وسنوصل كل ما جرى للجهات المعنية، الكل جاء ليحكي معاناته؛ معظم الكلام كان يتمحوَّر حول «عم نروح عالمطار عم يبعتونا لمكتب الطيران عالفاضي، بنرجع ونستنى أيام قدام المطار والمكتب لحتى نلاقي الحجز أو ما نلاقي, المافيا اللي مسيطرة على المطار، هي نفسها مسيطرة عالمكتب، وبيع البطاقات بأسعار خيالية ونارية.. يا أخي مشان الله قلون للمسؤولين للحكومة لك أرحموا هل الشعب، أرحموا أهل الحسكة الوطنيين الصامدين لحد الآن، إلى متى الفساد...؟؟
حلول ممكنة
لن نطالب بحلولٍ مستحيلة، وإنما بحلولٍ على الأقل تخفف من حدّة الأزمة، وتقضي على الفاسدين والسماسرة المتعاملين معهم:
-عدم تخفيض عدد الرحلات الداخلية من مطار القامشلي إلى دمشق وبالعكس مهما كانت الأسباب.
-التعامل مع المطار والإدارة مدنياً بعيداً عن تدخل بعض الأجهزة الأمنية.
-وضع حد للقوائم الجاهزة للقطع التي تأتي من المتنفذين.
-وأخيراً ربط شبكة القطع بالشبكة المركزية عبر الانترنت الفضائي لمنع القطع لأي شخص كان قبل دوره المسجَّل عبر الانترنت، ولا يستدعيّ وجود أي مواطن أمام مكاتب الطيران والمطار إلا لمن حان دوره ووقت سفره.
فهل تفعلها الحكومة وتطبق النظام احتراماً لكرامة الوطن والمواطن.. انتظروا معنا الحلول القادمة إن لم يكن هناك من ألاعيب مخفيّة؟!!.