ملف «المصروفين» من الخدمة: استمرار القرارات الجائرة بحق العاملين في الجهات العامة
ملف كبير ينتظر الحكومة الجديدة كي تبت بأمره، فخروج آلاف العمال السوريين من وظائفهم وبقاؤهم دون وظائف ودون دخل ثابت إلى جانب استشهاد عدد كبير من العمال خلق أزمة بطالة كبيرة تحتاج إلى قوانين جدية كي تنظم الواقع الجديد الذي يعيشه هؤلاء العمال، كما أن هذه الحكومة تحتاج إلى آلاف العمال إذا ما كانت جادة في تنفيذ الشعارات التي تنوي تبنيها، وأبرزها شعار «إعادة إعمار سورية» فهل ستكون قادرة على القيام بهذا العمل؟
تتلقى «قاسيون» أسبوعياً عشرات الشكاوى حول «فصل العاملين» في الجهات العامة التابعة للدولة بقرارات إدارية تعسفية تحت مسمى «مقتضيات المصلحة العامة»!؟، على أمل الوصول إلى حلول حقيقية مجدية لمشاكل هؤلاء العمال.
الاحتجاز وقطع الراتب
شاركت «سعاد. ع» في الاعتصام الذي نفذه أهالي العمال المحتجزين في مدينة عدرا العمالية. وفي هذا السياق تقول السيدة سعاد «تمكنت من الخروج مع أطفالي خارج عدرا وبقي زوجي محتجزاً من قبل العصابات المسلحة، ولكن منذ احتجاز العصابات المسلحة لزوجي أوقفت الحكومة صرف رواتب زوجي وبقيت أنا وأولادي دون أي دخل». وتضيف «الحكومة تعلم بوضع زوجي وزملائه، وتعلم أنه غاب عن العمل بسبب احتجازه من قبل المجموعات المسلحة ومع ذلك قامت بقطع رواتبه عنا».
وتتابع حديثها قائلة «نحن اليوم بأمس الحاجة لراتب زوجي الذي كان المعيل الوحيد للعائلة، علماً أن أكبر أبنائي يدرس أدب انكليزي سنة ثانية لكنه ترك دراسته هذا العام وعمل في العتالة وبيع الخضرة كي يؤمن لنا دخلاً يساعدنا على صعوبات الحياة من دفع إيجار المنزل إلى المصاريف الأخرى».
صرف العمال بالجملة!
تعرض العاملون في المؤسسات الحكومية في محافظة الرقة وبعض العاملين في معامل حلج الأقطان إلى إجراءات تعسفية تضمنت أوامر الصرف من الوظيفة. حيث تلقت «قاسيون» عدداً كبيراً من الشكاوى من العاملين المصروفين من الخدمة في محافظة الرقة.
ويقول المتقدمون بها «إنهم فوجئوا بأوامر الصرف من وظائفهم علماً أنهم لم يغادروا محافظة الرقة منذ أن وقعت تحت سيطرة ما يسمى (داعش)»، حيث أعلنت الحكومة السورية في بداية العام الحالي قرارها عدم تجديد عقود 4700 موظف في الرقة، وقد ازداد عدد العاملين المصروفين من وظائفهم منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، مما يزيد أعباء العائلات الرقية التي تعيش ظروف معيشية سيئة.
إجراءات تعسفية
وفي هذا السياق يقول «عادل .ش»، مساعد مهندس من أهالي محافظة الرقة، «وصلت إلى محافظة اللاذقية قبل عشرين يوماً وذلك بعد أن وصلني أمر صرفي من الخدمة، حيث كنت أعمل في محافظة الرقة بشهادتي- مساعد مهندس».
ويتابع حديثه قائلاً «أنا لم أغادر محافظة الرقة منذ أكثر من سنة والنصف وبقيت على رأس عملي في المحافظة، وكنا نعمل مع زملائنا على تيسير معاملات المواطنين السوريين ورفضنا أن نعمل لصالح ما يسمى (داعش) أو أن ننتمي إلى أي طرف آخر، لكن القرار بفصلنا أنا وعدد كبير من العاملين كان قراراً صاعقاً، وكنا نتمنى أن يتم معاملتنا كما يتم معاملة العاملين لدى وزارة التربية».
وأردف «تواصلت مع الجهات المختصة في اللاذقية كي أتوظف لديهم كوني كنت أعمل في محافظة الرقة كموظف معيّن بموجب مسابقة رسمية لكن طلبي قُبِلَ بالرفض بحجة عدم وجود شاغر لي في المحافظة».
بدوره يقول «وليد .س»، والذي كان أيضاً من موظفي محافظة الرقة، «أنا أبحث اليوم عن طريقة للسفر خارج سورية بعد أن سدت جميع الأبواب في وجهنا، فنحن رفضنا أن نترك محافظتنا بعد أن سيّطر عليها المسلحون، وبقينا نعمل تحت التهديد بالقتل، ولكننا تفاجأنا بقرار الحكومة السورية التعسفي بإقالتنا وصرفنا من وظائفنا، علماً أننا كنا نوقع على جداول الدوام ونقوم بأعمالنا كما يجب، فكانت نتيجة المكافأة بأن تم صرفنا من وظائفنا».
القوانين وتطبيقها الجائر
يخضع العاملون لدى الجهات والمؤسسات العامة لعدد من القوانين الناظمة لعملهم، ومنها ما ينص على أن يتم فصل العمال إما لأسباب تتعلق بمكافحة «الفساد المالي والإداري» أو تسريح مرتبط بالأزمة الحالية حيث يتم صرف العاملين الذين يتغيبون عن وظائفهم لأكثر من خمسة عشر يوماً ويعتبر العامل المتغيّب بحكم المستقيل (بموجب أحكام القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم /50/لعام 2004).
لا يعلم «أبو ماجد» ما هو المستقبل الذي ينتظره بعد أن تم فصله تعسفياً من عمله الذي كان يعمل فيه لأكثر من عشرين عاماً، وذلك بسبب تغيّبه عن عمله حوالي الشهر والنصف شهر؛ وذلك بسبب تعرض بلدته لظروف أمنية منعته من الخروج خارج بلدته، وعندما تمكن من الخروج عاد إلى مكان عمله فما كان إلا أن تفاجأ بقرار فصله.
وفي هذا السياق يقول «حاولت العودة إلى عملي بعد أن خرجت من بلدتي وقمت بإحضار كافة الأوراق التي تثبت أن بلدتي كانت تخضع لظروف أمنية صعبة، وأحضرت أوراقاً تثبت عدم تورطي بأي عمل يضر بمصالح القطر، ولكن طلبي بالعودة إلى العمل قوبل بالرفض. وبعد تقدمي بالسن وانقطاع مرتبي لا أعلم ما هو العمل الذي يمكنني أن أمارسه كي ألبي احتياجات عائلتي»، مضيفاً «إن كل ما أتمناه هو العودة إلى عملي فوراً».
اتحاد النقابات يطلب تفسيراً
تقدم الاتحاد العام لنقابات العمال بطلب تفسير من رئاسة مجلس الوزراء بناءً على تعميم مجلس الوزراء رقم (111\15) بتاريخ 19\6\2013. جاء فيه ما يلي:
«إن القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم /50/لعام 2004 وتعديلاته، يجيز إعادة المستقيل والمعتبر بحكم المستقيل والمَسرح صحياً، كما أجاز القانون إعادة استخدام المسرح من الخدمة في حال الحاجة إليه في مكان عمله. لذا نرجو أن تجري إعادة العاملين أو المستقيلين أو من في حكمهم أو المسرحين صحياً الذين تم الموافقة على إعادتهم للعمل، وكذلك المصروفين من الخدمة الذين يجوز إعادة استخدامهم من الجهة العاملة التي كانوا يعملون لديها، وفي حال تعذر ذلك يتم إعادتهم إلى جهة أخرى تتبع لذات الوزارة متى كانت تلك الجهة بحاجة لخدماتهم ومتى توفرت فيهم شروط إعادة أشغال الوظيفة المعادين إليها».
أرقام وإحصائيات
ذكرت تقارير صحفية (صحيفة تشرين) أنه يوجد في وزارة الصناعة نحو 100 شركة صناعية ومعمل فيها 58 ألف عامل، تصل أجورهم الفعلية إلى 19.8 مليار ليرة. ومن بين هذا العدد هناك 51 شركة و12 محلجاً توقفت عن العمل، يبلغ عدد عمال هذه الشركات المتوقفة 25.5 ألف عامل، وكتلة أجورهم 8.8 مليارات ليرة، أما عدد العمال الذين تسدد لهم مؤسساتهم من مواردها الذاتية فهم 19964 عاملاً، تبلغ أجورهم نحو 6.8 مليارات ليرة، أما عدد العمال الذين تسدد لهم وزارة المالية فهو 5584 عاملاً أجورهم مليارا ليرة.
وتضيف التقارير أن عدد العمال المتعطلين في وزارة الصناعة يقارب 50% من عدد العاملين ما أدى إلى مشكلة في تأمين الرواتب والأجور، فوزارة الصناعة عليها أن تدفع شهرياً كتلة أجور ورواتب عمالة متوقفة تبلغ نحو 8.858 مليارات ليرة كما تؤكد دراسات وزارة الصناعة.
وهناك شركات متوقفة تسدد رواتب عمالها من الموارد الذاتية للمؤسسات التابعة لها، الأمر الذي سيتسبب بفقدان جزء مهم من السيولة المتوافرة لديها، ويجعلها عاجزة عن متابعة تسديد رواتب عمال الشركات المتوقفة والمتعثرة. علماً أن المخطط للعمالة عام 2014 كان 68.2 ألف عامل، بينما العدد الفعلي وفق تقرير الوزارة للعام الجاري انخفض إلى 58 ألف عامل، وفي الشهر السادس من العام 2014 انخفض العدد إلى 52 ألف عامل.
في وزارة الصناعة هناك أكثر من 10.2 آلاف عامل يعانون مشاكل مباشرة من حيث إنهاء عقود أو نقل أو... وقد بلغ عدد من تم إنهاء عقودهم السنوية والموسمية نحو 3590 عاملاً، وهناك نحو 1603 بحكم المستقيلين، و 103 عمال مصروفين من الخدمة، و1044 أجورهم متوقفة.
الحكومة وشماعة المصلحة العامة
وقد صرح رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة وائل الحلقي خلال حضوره المجلس السنوي للاتحاد العام لنقابات العمال، مؤخراً، أن عدد المفصولين 7 آلاف عامل، ويرى أن هذا العدد من إجمالي العاملين البالغ نحو 2.5 مليون عامل في القطاع العام، وأن قرارات الفصل تمت بناء على المادة 137 وعلى رأي أكثر من جهة.!؟
وبناءً على ما تقدم أعلاه نتساءل: ما هي مقتضيات المصلحة العامة التي تستدعي إصدار هذه القرارات اللامسؤولة (الصرف من الخدمة وبحكم المستقيل....) واتخاذ الإجراءات التعسفية بقطع رواتب الموظفين المعيلين لعائلاتهم؟