«العلالي».. نيران الإهمال والفساد أقوى من الحرب!

«العلالي».. نيران الإهمال والفساد أقوى من الحرب!

يعيش أهالي حي «العلالي» إلى جوار إحدى الجبهات المشتعلة؛ على خطّ النار. ومع ذلك، فإن نيران الإهمال الخدمي والإداري المتراكمة منذ نشأة ذلك الحي، تمارس تأثيراً مدمّراً لا يقل عمّا تمارسه الأولى.

يقع حي «العلالي» بالقرب من إحدى جبهات القتال الحامية، على أطراف مدينة داريا، من جهة بلدة أشرفية صحنايا. بالرغم من ذلك، لا يزال نحو 15 ألف مواطن يقطنون الحي الذي لا يسلم إلّا قليلاً من الرصاص الطائش، وقذائف معاركَ لا تبعد عنه أكثر من 200 متراً. هناك، يزاول الأهالي حياتهم متحدّين كل ما جلبته الحرب من موتٍ ودمار، وكل ما ينعكس عليهم من فساد المفسدين: فقراً وظلماً ونقصاً في الخدمات، أو انعدامها.

إهمال مزمن..

الوصول إلى ذلك الحي سيراً على الأقدام ليس بالمسألة السهلة. على زائريه أن يتجنّبوا الحفر والأتربة التي خلّفها الإهمال الإداري المتراكم لأكثر من ثلاثة عقود؛ منذ تأسيس ذلك الحي «المخالف» على أيدي العديد من المواطنين الذين دفعهم شظف العيش إلى «ابتداع» طرقاً جديدة لحياتهم. لم تصل المياه لهذا الحي منذ أربعة شهور، ما يجعل من انتشار صهاريج المياه بكثافة في شوارع الحي مشهداً أكثر من مألوف. 

يقول «أبو علي»، القاطن في الحي منذ تأسيسه لـ«قاسيون»: «بالرغم من أن المعارك وصلت إلى أعتاب منازلنا، إلا أننا لم نفكر يوماً بالنزوح. لا طاقة لنا على ذلك». يَلفُت شاب آخر، من الأهالي، إلى أن الحي «نشأ واستمر حتّى الآن بالمبادرة الشعبية وحدها». ويشرح: «لم تمنّ علينا الحكومة بأي شيء. هنا، حتى الصرف الصحي أنشئ على أيدي السكان؛ الأهالي هم من وضع المخطّط ونفّذوا بأيديهم». ويستطرد ساخراً: «للأمانة، الزيارة الأخيرة التي قامت بها الأجهزة الحكومية لمنطقتنا كانت لهدم الأبنية المخالفة، ما فرض على الأهالي دفع الرُشى لتجنّب مصير رمي عائلاتهم إلى الشارع». فيما يشير شاب آخر بيده إلى منطقة زراعية مجاورة: «هناك، قامت البلدية بتعبيد بعض الطرق، لأنها تؤدي إلى مزارع قليلة ومتناثرة لمسؤولين فاسدين».

خدمات «قاتلة»!

يمر في الحي المذكور خط توتر عالي، في أحد الشوارع الرئيسية الذي يبلغ طوله نحو 400 متراً. وبدلاً من أن يُدفن هذا الخط تحت الأرض، كما تقتضي المعالجة الفنية الصحيحة، قامت الورشات المسؤولة عن الخط بتعليقه على أعمدة كهرباء التوتر المنخفض، وأحياناً على شرفات بعض المنازل، وذلك عندما لا تتوفر أعمدة الكهرباء في بعض النقاط. ويذكر أن طول الخط يقارب الًـ800 متراً، ما يعادل ضعفي طول الشارع الذي يمتد فيه تقريباً، الأمر الذي يجعل من الخط متدلياً على ارتفاعات تقارب النصف متر أحياناً عن سطح الأرض. في بعض الأحيان كان الرصاص الطائش الآتي من جهة الجبهة يتسبب باشتعال الحرائق في الخط المذكور، وأحياناً أخرى ينفجر الخط نتيجة التحميل الزائد. الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تشكل خطورة حقيقة على أهالي الحي، ولا سيما الأطفال الذين غالباً ما يتواجدون في هذا الطريق إلى جانب خط التوتر العالي.

في معظم الأحيان يستدعي الأهالي ورشات الكهرباء لتعالج المشكلة مؤقتاً، وذلك لكونها تختص بالتوتر المنخفض وليس العالي. فيما لم تفلح جهود السكان بطلب المعونة من وحدة كهرباء أشرفية صحنايا، لمعالجة وضع الخط الخطير، إذ لم تلقَ نداءاتهم آذاناً صاغية.

هذه المشكلة الخطيرة (خط التوتر العالي)، بالإضافة إلى جملة الأزمات التي يعانيها حي «العلالي»، تحتاج إلى التفاتة جادة من الجهات الحكومية لمعالجة الآثار التي تفرضها الأزمة بنحوٍ كارثي على قاطنيه.