من الذاكرة : الشرف والواجب الأقدس
الكلام في لغتنا العربية نوعان «خبر وإنشاء» والخبر هو الكلام الذي يصح أن نقول لقائله: إنه صادق فيه.. أو كاذب وصدق الكلام يأتي من مطابقته للوقائع والحقائق، ومثال على ذلك قولنا ونحن على عتبة ذكرى غالية: «لقد خاض أبطالنا الوطنيون بقيادة وزير الحربية يوسف العظمة معركة ميسلون الخالدة في الرابع والعشرين من تموز عام 1920 دفاعاً عن الوطن في وجه الغزاة الفرنسيين» وصدق هذا الكلام مدعم بالشاهد والبرهان والدليل، ويؤكده التاريخ الموثق كتابة وبالصور، ويتحدث به القريب والبعيد والصديق والعدو.
والذي استدعى كل هذه المقدمة هو «تنطع» بعضهم ولا سيما في أيامنا هذه، من على شاشات المحطات الفضائية لتشويه الوقائع وحرف الحقائق عن مواضعها وآخر هذه «التنطعات» تجاهل دور الحزب الشيوعي اللبناني في المقاومة والتحرير، وهذا التجني أعادني بالذاكرة إلى حزيران عام 1982 أيام كان الاحتلال الصهيوني قد جثم على صدر بيروت.. فقد تذكرت قصيدة للشاعر سعدي يوسف بعنوان «حماسة» وبخاصة المقطع الأخير:
«نقول: نقاوم... ونقول: ستبقى بيروت... ونقول: هنا نسقط قتلى... ونقول هنا ننهض قتلى... ونقول: لنا لبنان».
ويمر شهران ويحمل الأثير نداء الحزب الشيوعي اللبناني: «أيها اللبنانيون إن واجب الدفاع عن الوطن هو أقدس واجب وإن شرف القتال ضد المحتل هو الشرف الحقيقي الذي ينبغي لكل لبناني أن يفاخر به... إلى السلاح تنظيماً للمقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال وتحريراً لأرض لبنان من رجس الاحتلال الصهيوني».
وفي صباح يوم الجمعة 17 أيلول يعلن الحزب قيام جبهة المقاومة اللبنانية «جمول»، ولتبدأ العمليات الفدائية البطولية، وفاتحتها عملية منطقة الصنائع ببيروت في 20 ايلول 1982 التي صدر إثرها أول بيان عن الجبهة... وتكر «المسبحة» فالزهرة الأولى بدأت تتفتح براعم، لتضيء ليل بيروت الحالك، وتتوالى مواكب الشهداء الرفاق وطليعتهم قاسم الحجيري وجورج قصابلي ومحمد مغنية، ثم جمال وفادي الحايك وعوض وحسن جمال الدين وأبو سهى نجدي وجمال ساطي ويحيى الخالد وفرج الله فوعاني وإنعام سليم حمزة وأسطة وطوني حداد ولينا مزرعاني ولولا عبود ووفاء نور الدين وميرفت عطوي ويسرى فياض اسماعيل ومحمد معروف درويش وعلي فارس سليمان وعلي مروة وغازي ترو وسعدو ويوسف وعلي المقداد وعساف أبو رحال وعلي فاعور. إن الرصاصات الأولى في الصنائع التي كانت بداية لتحرر بيروت، انتشرت في كل لبنان وشملت الأحزاب الوطنية وقوى كثيرة متعددة الأفكار، وحررت معظم الأراضي المحتلة وأسقطت الاتفاقات، و طردت القوات الأطلسية التي جيء بها لحماية الاحتلال، وقد شارك الكثير من الشيوعيين السوريين مشاركة فعالة في هذه المقاومة ضمن صفوف الفصائل الفدائية الفلسطينية، وكان لي شرف التعرف إلى أكثرهم من خلال حضوري عدداً من دورات إعدادهم السياسي قبل الالتحاق بالعمل الفدائي.. وقد مهر بعضهم ثرى لبنان بدمائهم الطاهرة وهم الشهداء نضال آل رشي وناصر عيسى وحكمت قطان وفاخر عليوي وعارف عبدو وعمر عابو.
ولن تحجب «الغرابيل» أيا كانت شمس الحقيقة الساطعة!