حول قانون الانتخابات المزمع إعداده في سورية
ربما لم نعتد على مناقشة الشأن السياسي في سورية إلا منذ أسابيع قليلة، ولكن مع القناعة بأن أية عملية تحول أو تحديث للبنى الاجتماعية والسياسية يحتاج إلى نقاش وحوار قد يكون صاخباً، وقد يكون معرجاً على الخطوط الحمر. وعلى كل يبقى الهاجس سورية العربية التي تحمل على كاهلها منذ خمسة عشر ألف عام مسؤولية حضارية، وهي تحتاج إلى ممارسة هذا الدور عبر إطلاق كل القوى الكامنة في كرموزومات السوريين. ولن يكون ذلك إلا من خلال تفعيل الممارسة الديمقراطية التمثيلية الحقيقية.
وبالعودة إلى ملف الانتخابات التشريعية السورية القادمة وإلى مانتوقعه من دعوة لاعتماد قاعدة الدائرة الضيقة (المنطقة الادارية). إن توسيع الدائرة الانتخابية أو تضييقها يثير إشكاليتين أساسيتين وهما قانون الانتخابات والقضية الأساسية فيه أي فلسفته (إذا صح التعبير) وقضية المهمة الموكلة للمجلس. ويضاف إلى هاتين القضيتين مسألة مهمة وهي العلاقة المؤسسية بين مجلس الشعب وبين الحراك السياسي في المجتمع، أي مجتمع.
أولاً: قضية قانون الانتخابات وحجم الدائرة
تقوم الفلسفة الحالية لقانون الانتخابات السوري على التصويت للفرد بغض النظر عن الانتماء السياسي لهذا المرشح أو ذاك، وعلى الرغم من التقليد السوري قد أقحم أسلوب القوائم (القائمة) بما يطلق عليه قائمة مرشحي الجبهة الوطنية التقدمية، فإن الشكل السائد هو انتخاب الأشخاص. وتتبنى أغلب دول العالم فلسفة مختلفة في قوانينها الانتخابية وهي استخدام أسلوب القوائم وبالتالي يفرض على المرشحين الانتظام في قوائم يتم التنافس فيما بينها ويتم التصويت تبعاً لذلك على أساس البرامج الانتخابية للقوائم المتنافسة.
وبطبيعة الحال فإن الفرق واضح وجلي بين الأسلوبين، حيث أن الانتخابات وفق أسلوب القوائم ينحو مع التجربة وتتابعها إلى ترسيخ قواعد اصطفاف موضوعية سياسية، بعيدة عن الطائفية والعشائرية والدينية والجهوية، وتجعل من الوصول إلى الندوة البرلمانية وسيلة لتحقيق برامجها. وبعكس ذلك، فإن أسلوب الانتخابات السائد لطالما أوصل نواباً بالكاد في أحسن الأحوال أن يصلحوا أعضاء مكاتب تنفيذية في مجالس البلدات وأقول ذلك على الرغم من وجود نواب أفخر بأدائهم. ومن أهم صفات هؤلاء أنهم أميون مع ميل لفك الخط عند بعضهم، وأنهم استخدموا نفوذهم العشائري والطائفي في المحافظات الريفية أو أموالهم ونفوذهم الاقتصادي في المدن الكبرى للوصول إلى مجلس الشعب.
إن الانتقال إلى الأسلوب الأفضل، من وجهة نظري الشخصية، هو أسلوب الانتخابات بالقوائم المغلقة النسبية، يناسبه أن تكون الدائرة الانتخابية أوسع مايمكن حتى أوسع من المحافظة نفسها وربما على مستوى إقليمي (الجنوبية، الساحلية، الشرقية، الشمالية، الوسطى).
وطبعاً ذلك يتوافق مع ما سيأتي في البند التالي.
ثانياً: قضية دور مجلس الشعب وقانون الانتخابات
حدد دستور الجمهورية العربية السورية في المادة 71 منه مهام مجلس الشعب بمايلي:
1- ترشيح رئيس الجمهورية
2- إقرار القوانين.
3- مناقشة سياسة الوزارة.
4- إقرار الموازنة العامة وخطط التنمية.
5- إقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بسلامة الدولة وهي معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة أو الاتفاقيات التي تمنح امتيازات للشركات أو المؤسسات الأجنبية وكذلك المعاهدات والاتفاقيات التي تحمل خزانة الدولة نفقات غير واردة في موازنتها أو التي تخالف أحكام القوانين النافذة أو التي يتطلب نفاذها إصدار تشريع جديد.
6- إقرار العفو العام.
7- قبول استقالة أحد أعضاء المجلس أو رفضها.
8- حجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء.
ومن الواضح أن المسائل التي تشكل اختصاص مجلس الشعب هي مسائل سياسية صميمية سواء بالنسبة للموازنة العامة للدولة وخطط التنمية أو حجب الثقة عن الوزارة. وطبعاً إن الموازنة العامة للدولة هي انعكاس لبرنامج عمل الحكومة القائمة وبالتالي فإن التصويت على الموازنة هو تصويت بالثقة عليها، والتصويت ضد الموازنة هو موقف سياسي يعبر عن عدم الثقة بالحكومة وبرامجها. وهذه المسألة تحتاج إلى مجلس شعب تمثيلي سياسي، أي أنه يعبر ويمثل القوى السياسية والمصلحية في الوطن. إن هذه المسألة وهذا الطرح يتناقض بصورة جذرية مع ماجاء به قانون الانتخابات السائد.
والفكرة الأساسية، أن قانون الانتخابات الحالي يفرز نواباً محليين من المفترض أنهم مشغولون بقضايا القرى والبلدان والمحافظات التي يمثلونها وليس باستطاعتهم الارتقاء بنقاشهم إلى مستوى النقاش السياسي والتعبير السياسي لأنهم في الأصل لايمثلون تيارات سياسية، فيما عدا أعضاء المجلس المعينين من قبل الجبهة فإنهم يمثلون أحزابهم، وهم على الرغم من ذلك لايملكون برنامجاً واضحاً ولا رؤية مشتركة. ومن المفيد التذكير أنه عند مناقشة الموازنة العامة للدولة فإن أغلب المداخلات تتضمن عتباً على الوزارة لأنها لم تدرج حفر بئر في القرية الفلانية أو تزفيت الشارع الممتد بين البلدة الفلانية ومقر المحافظة !!! وبطبيعة الحال هذا ليس من اختصاص مجلس الشعب بل هو من اختصاص المكاتب التنفيذية للمحافظات ومجالس المدن والبلدات.
وفي حال الانتقال إلى مستوى أضيق، أي أن تكون المنطقة الإدارية هي دائرة انتخابية، فإن المسألة ستتكشف عن نكوص في دور مجلس الشعب وستتمحور النقاشات والمطالبات حول تزفيت الشوارع بين الأحياء !! بدعوة أن الاقتراب من الجمهور الناخب يفرز ممثلين حقيقيين عن الجمهور.
إن العودة إلى النص الدستوري وروحه يحتم علينا التطلع إلى مجلس شعب ونواب يمثلون اتجاهات سياسية تعتبر الدائرة الأوسع هي الأقدر على فرزها وقيامها. وأن قيام تحالفات انتخابية وتشكيل قوائم تعتمد على البرامج والرؤى الواضحة حيال مختلف القضايا والملفات الكبرى على مستوى الوطن، وليس على مستوى شوارع القرية، يحتاج إلى مدىً أوسع من المنطقة الإدارية. ويناسب النص الدستوري وحاجات التحديث المجتمعي والسياسي قانون انتخابات قائمة على قاعدة القوائم المغلقة النسبية.
وأود أن ألفت النظر إلى أن الشكوى من العديد من أداء أعضاء مجالس الشعب في الدورات السابقة ليس مبرراً بالمطلق (مع صحته نسبياً)، لأن قانون الانتخابات القائم لايمكنه أن يفرز نواباً أفضل مما هو موجود مطلقاً.
هذه بعض الملاحظات التي لا أدعي أنها ناجزة بل هي تحتاج إلى حوار وتحتاج إلى رحابة صدر وأفق وعدم تشنج. لأن مبتغانا هو رفعة الوطن وسعادة المواطن.