قطاع التعليم تحت ظلال الأزمة
في ظروف أبعد ما تكون عن الظروف المثالية، توجه الطلاب السوريون هذه السنة إلى مدارسهم لاستقبال بداية عام دراسي جديد، والذي سيكون إنجاحه بمثابة معجزة حقيقية تسعى وزارة التربية والتعليم إلى تحقيقها. إن التصريحات التي خرجت عن المعنيين في القطاع التربوي تؤكد حضور وجاهزية أهم المتطلبات والمستلزمات لبدء العام الجديد من خلال الوقوف على سلامة المباني المدرسية واستيفائها للشروط الخاصة بسلامة الطلاب وتواجد الخدمات كالمقاعد الكافية وتوافر الكتب والمدرسين الجيدين، كل هذه متطلبات أساسية لا قيام للعملية التعليمية دونها، فهل تستطيع وزارة التربية حقاً تحقيقها؟!.. في هذا الملف ومع قدوم عام دراسي جديد تناقش «قاسيون» مع عدد من المعلمين والأهالي والطلاب هموم الطلاب في البلاد، وتكاليف العملية التعليمية، ومعدلات القبول في الجامعات السورية بالإضافة إلى مطالب المعلمين والمعلمات في القطاعين العام والخاص.
هموم الأهالي والطلاب مع بداية العام
يبدو أن العام الحالي سيكون مختلفاً عن الأعوام السابقة، وذلك بسبب الظروف السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد وما نتج عنها من تأثيرات سلبية على جميع الأصعدة والمجالات، وما لحقها من تدهور للمستوى المعيشي والاقتصادي للمواطن السوري الذي ومع قدوم العام الدراسي الجديد سترهق كاهله الهموم والاحتياجات من توفير للمستلزمات المدرسية (دفاتر- أقلام- ملابس- حقائب مدرسية) وغيرها من أعباء.
يقول حسام: «هناك ارتفاع كبير في أسعار القرطاسية دون حسيب أو رقيب، وكل بائع يبيع بالسعر الذي يرغب، حيث وصل سعر قلم الحبر الناشف في بعض المكتبات إلى 15 ليرة»، ويتابع صديقه عصام قائلاً: «لقد أصبح الطالب الواحد يكلف الأهل اليوم 2000 إلى3000 ليرة سورية فما بالك إذا كان رب الأسرة لديه سبعة أو ثمانية أبناء في المدرسة؟ كيف سيتصرف الأب خاصة في ظروف قاسية كالتي تمر بها سورية الآن؟».
ويقول مواطن آخر: «إن الظروف المعيشية صعبة وارتفاع الأسعار فاق الحد، وقد أصبح توفير متطلبات الدراسة يحتاج لميزانية خاصة، وعلى الدولة أن تدعم الأسر الفقيرة ولو بشيء بسيط، وعليها ربما تسمية بند بالبند المدرسي يتم صرفه للموظفين مرة كل عام مع بداية العام الدراسي بما يخفف أعباء الأهل ويريح الطلاب عند بداية كل عام».
مشكلات المدارس السورية مع بداية العام
يبقى الاستعداد لافتتاح المدارس أبوابها وتستقبل مئات الآلاف من الطلاب في جميع المراحل الدراسية الحدث الأهم والأبرز في منتصف شهر أيلول من كل عام. وتعاني المدارس الحكومية في البلاد من إدارات غير فاعلة، ومن سوء عملية الاختيار لمديري المدارس الحكومية والتي لا تخضع لمعايير الخبرة والكفاءة وهذا ما انعكس سلباً على قدرة المدارس الحكومية على تحقيق الأهداف الموضوعة، كما تعاني المدارس الحكومية من قلة في عدد الكادر الإداري الفاعل نسبة إلى عدد التلاميذ إذ من المفترض وجود منصب معاون مدير لكل مجموعة من الشعب مما يسمح بالإشراف عليها بشكل مباشر كما هو الحال في بعض المدارس الخاصة، إضافة إلى اكتظاظ الصفوف بالتلاميذ فعدد طلاب الصف في بعض المدارس الحكومية اليوم بين (60 إلى 65) طالباً وكان سابقاً لا يتجاوز (40) طالباً، وهذا ما جعل من العملية التعليمية شبه مستحيلة يضاف إلى ذلك مشكلة النقص في الكوادر التدريسية والتي تعاني منها الكثير من المدارس في المناطق المتطرفة والبعيدة، ناهيك عن فشل المدرسة الدائم والمستمر في التخاطب مع الأهل والحوار معهم وإقناعهم بصوابية القرارات والإجراءات المدرسية المتخذة من الإدارة.
المعاهد والمدارس الخاصة
يختلف أداء المعاهد والمدارس الخاصة بشكل كبير وذلك بحسب الطواقم الإدارية والتدريسية للمدرسة وبحسب الموقع والقسط المادي المدفوع أيضاً، وغالباً ما تحاول المدارس الخاصة استقطاب الطلاب المتفوقين وذلك لتحقيق معدلات مرتفعة وفقاً للمقاييس الخاطئة المتبعة محلياً لقياس أداء المدرسة.
استغلت المدارس الخاصة التشدد في منح التراخيص وفي شروط الترخيص وعمدت لرفع الأقساط المدرسية بشكل غير متناسب مع الكلفة من جهة، ومع السوية التعليمية من جهة أخرى، ومن الغريب أنك قد تجد مدرستين يصل قسط إحداهما لثلاثة أضعاف الأولى إلا أن رواتب المدرسين في المدرستين متقاربة. ولا ننسى أن الإشراف على المعاهد والمدارس الخاصة لا يزال شكلياً حتى الآن وذلك بسبب عجز الوزارة على تحقيق رقابة صارمة حيث يتم الخلطً بين المعايير التربوية والمعايير الإدارية والمعايير العلمية المتعلقة بالمناهج والمعايير الهندسية والإنشائية والمعايير الإلزامية والاختيارية بشكل واسع كما يبدو تداخل مفاهيم إدارة الجودة وضبط الجودة وضمان الجودة بشكل كبير.
قصة الدروس الخصوصية
في كل عام تتسع ظاهرة الدروس الخصوصية وتستشري باعتبارها تعليماً مساعداً وموازياً للتعليم النظامي في المدارس، حيث يسعى المدرس الخاص للعمل بمختلف الطرق والأساليب ليحصل التلميذ على أعلى الدرجات دون الاهتمام بالمعرفة والفائدة، ولكن لماذا يلجأ الأهالي إلى موضوع الدروس الخصوصية؟ وهل هي مطلب اجتماعي وتربوي لا يمكن الاستغناء عنه؟ وهل باتت المدرسة عاجزة عن مساعدة الطالب في الوصول إلى النجاح دون اللجوء إلى هذا النوع من الدروس؟.
تقول الطالبة إيمان: «إن الدروس الخصوصية تتيح للطالب فرصة أكبر بأن يفهم الدرس ويحل عدد أكبر من التمارين وهناك عدة عوامل تسبب الدروس الخصوصية برأيي، منها شغب الطلاب في الصف والخجل من إعادة السؤال مرة ثانية وعدم قدرة الأستاذ لتقديم المعلومة وعدم قدرته على تبسيطها، كل هذه الأمور قد تؤدي إلى الإقبال على الدروس الخصوصية»، ويقول الطالب فراس: «إن السبب في انتشار مشكلة الدروس الخصوصية هم المدرسون القدماء الموجودون في المدرسة فالأستاذ يصل في بعض الأحيان إلى مرحلة الملل من المناهج فهو يعيدها كل السنة ويعيدها في الدروس الخصوصية، الأمر الذي يجعله في المدرسة يقدم المعلومة بطريقة (رفع عتب) ولكنه في المقابل لا يستطيع القيام بذلك في الدرس الخصوصي لأنه يتقاضى أجراً كبيراَ على الساعة التي يقضيها عند الطالب وهذا الأمر يظهر بشكل كبير في المدارس الحكومية أكثر من الخاصة».
ويوضح الأستاذ حيدر وجهة نظره بالقول: «إن الدرس الخصوصي أمر عادي لأن الأستاذ لا يستطيع أن يعطي الطالب كل شيء في الصف نتيجة ضيق الوقت فالحصة الدرسية عبارة عن 45 دقيقة والأستاذ يجب أن يصحح الوظائف ويسمع الدرس السابق، وهذا يحتاج إلى 20 دقيقة تقريباً، فالوقت المتبقي من الحصة لا يكفي لإتمام الدرس مما يضطر الأستاذ لشرح النقاط الرئيسية حتى يستطيع أن يكمل المنهاج، خصوصاً وأن عدد طلاب الصف قد يتجاوز الخمسين في بعض الأحيان مما يعيق الدرس»، وتضيف المدرسة ح. ن في هذا الموضوع: «إن سعر ساعة درس خصوصي مع الأستاذ يتناسب مع خبرته وأنا خبرتي بسيطة في مجال الدروس الخصوصية لذلك سعري قليل حيث أتقاضى 400 ليرة سورية على الساعة ولا أنكر أن الدرس الخصوصي مكسب مادي جيد بالنسبة للأساتذة، فبالنسبة لي وعلى الرغم من أجرتي البسيطة إلا أن المردود الذي حصلت عليه في العام الماضي كان جيداً».
معدلات القبول
أعلن وزير التعليم العالي محمد يحيى معلا عن زيادة نسبة القبول الجامعي هذا العام بنسبة 6% ما سيعطي الفرصة لعدد كبير من الطلاب يقدرون بين 7 إلى 8 آلاف طالب في متابعة دراستهم الجامعية، ورغم ذلك لا تزال الجامعة تمثل حلماً صعباً وبعيداً عن كثير من الطلاب فأغلب الجامعات الحكومية تطالب معدل 75% من المجموع العام على الأقل لكي يدخل الطالب الفروع الجامعية الأدبية من تاريخ وجغرافيا وغيرها، أما الفروع الجامعية العلمية كالطب والصيدلة فتطلب حتى 97% بينما المعاهد المتوسطة كالمعهد التجاري تطلب 60% والمعدلات في ازدياد في كل عام، فبدلاً من أن يعتمد اختيار التخصص على الرغبة والدفع في المقام الأول نرى أن اختيار التخصص يجب أن يقوم على المعدلات بالدرجة الأولى دون مراعاة لرغبة وميول الطالب.
يقول الطالب أحمد (الذي يحلم بدراسة الحقوق):«كنت أحلم بمتابعة دراستي إلى أعلى المستويات ولكن حلمي تكسر بسبب ارتفاع المعدل المطلوب لدخول الجامعة، وأعتقد أن من المفترض التركيز على رغبة الطالب وتشجيعه على تحقيق حلمه بدءاً من مراحل مبكرة، ما يعني إعادة النظر في السياسة التعليمية برمتها». ويتابع أحمد فيقول: «صديقي حصل على أقل من مجموعي بكثير ولكنه سيسجل في كلية الحقوق بالتعليم الموازي هل سيصبح التعليم الموازي هو الوسيلة لتحقيق الأحلام وهل سيكون حكراً على أصحاب الأموال؟».
بمختصر الكلام يبدو أن العام الدراسي هذه السنة لن يكون ككل الأعوام، بل سيكون عاماً مليئاً بالمتاعب والمصاعب، نتمنى على وزارة التربية والمسوؤلين والجهات المختصة أن تكون على قدر الواجب والمسؤولية الملقاة على عاتقها في هذا العام الاستثنائي.