مدارس مدمرة ومستقبل تعليمي في مهب القصف..  من يحمي حق أطفال سورية في التعليم؟!
ماهر فرج ماهر فرج

مدارس مدمرة ومستقبل تعليمي في مهب القصف.. من يحمي حق أطفال سورية في التعليم؟!

«عام دراسي جديد.. بأي حال عدت يا دراسة؟»، بهذا السؤال يستقبل أطفال سورية عامهم الدراسي الحالي، والذي فتح أبوابه في ظروف عصيبة لم تشهدها سورية من قبل، جراء الأزمة التي تعصف بها منذ عام ونصف تقريباً، والتي بلغت أخطر مراحلها في الأشهر الأخيرة، نتيجة تصاعد وتيرة العنف والعنف المضاد، واستخدام مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وصولاً إلى استخدام الأسلحة الثقيلة، التي أتت على كل ما هو موجود أمامها، من منازل وأبنية عامة وخاصة، ولعل أهم الأبنية التي كان لها نصيب وافر من هذا الدمار والخراب، هي المدارس، والتي من المفترض أن تكون خارج لعبة الموت التي يمارسها الكبار، لما لها من أهمية في بناء الإنسان المثقف والمتعلم القادر على بناء مستقبل وطنه.

إلا أن ما تشهده البلاد سيجعل من هذا العام الدراسي الحالي وربما الأعوام القادمة أعواماً استثنائية بكل المقاييس، في ظروفها الصعبة التي ستجعل من سير العملية التعليمية بشكل طبيعي، أمراً شبه مستحيل وبالتالي حرمان جيل كامل من حقه في التعليم بظروف طبيعية، خصوصاً أن أعمال العنف لم تستثن أية قرية أو مدينة في سورية، وغياب الأمن والأمان هو السمة الغالبة في معظم شوارعها وانتشار رائحة الموت في معظم أرجاء البلاد، إضافة إلى تهجير مئات الآلاف من العائلات من منازلها ومحافظاتها، ليسكنوا في الحدائق العامة، بعد أن أجبرهم بدء العام الدراسي على إخلاء المدارس التي كانوا يجدون فيها سكناً مؤقتاً بعد ما دمرت منازلهم وقراهم، الأمر الذي سيجعل من العسير على عدد كبير من العائلات إرسال أبنائها إلى المدارس، إما خوفاً على عليهم من العنف المنتشر، أو نتيجة عجزهم عن تأمين المستلزمات الدراسية لأبنائهم، خصوصاً أولئك المهجرين الذين فقدوا كل ما يملكونه، نتيجة العنف المزدوج والقصف الذي دمر منازلهم ومصادر رزقهم.

إحصاءات

تقول الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة التربية، أن عدد المدارس الصالحة للاستخدام والتي لم تتضرر نتيجة العنف (22) ألف مدرسة في مختلف المحافظات، بينما يبلغ عدد المدارس التي لم تعد صالحة للاستخدام، والتي طبعاً دمرت نتيجة العنف (607) مدارس في عموم البلاد، فيما يتعلق بعدد الطلاب الذين من المفترض أن يلتحقوا بمدارسهم هذا العام خمسة ملايين طالب، وطالبة.

فيما تشير الإحصاءات غير الرسمية، الصادرة عن منظمات إنسانية، إلى أن عدد المدارس التي دمرت تماما والتي باتت غير صالحة لاستقبال الطلاب يبلغ عددها (2000) مدرسة، وبأن حوالي (800) مدرسة كان يسكنها أعداد كبيرة من المهجرين كما أن عدد الطلاب القادرين على الالتحاق بمدارسهم لن يتجاوز (600) ألف طالب لأسباب عدة أهمها:

1 - غياب الأمن والأمان.

2 - تهجير أعداد كبيرة من المواطنين من محافظاتهم ومدنهم.

3 - عدم توفر السكن لدى عدد كبير من العائلات المهجرة المدمرة مساكنها، والتي يسكن معظمها في الحدائق العامة والمدارس المدمرة، وعلى أرصفة الطرقات العامة.

4 -  فقدان أعداد كبيرة من الأطفال لآبائهم نتيجة العنف والعنف المضاد. 

5 -  ضعف الوضع المادي أو انعدامه لدى عدد كبير من عائلات المهجرين وغير المهجرين، نتيجة  تراجع  المستوى المعيشي والاقتصادي خصوصاً لأولئك المهجرين.

6 -  الارتفاع المزايد في أسعار السلع عموماً والمدرسية خصوصاً، نتيجة الحصار الاقتصادي التي تتعرض له سورية، وعدم قدرة المواطن على مجاراتها.

7 -  إصابة عدد كبير من أطفال سورية بأمراض نفسية وجسدية خطيرة، نتيجة الخوف والرعب مما شاهدوه أو تعرضوا له.

8 -  إضافة إلى أسباب أخرى قد تجعل عدداً كبيراً من العائلات يمتنعون عن إرسال أبنائهم إلى المدارس.

كل هذه الأسباب قد تجعل من الأعداد الحقيقية الطلاب الذين سيلتحقون بالمدارس أقل بكثير مما هو متوقع رسمياً، التي تشير إلى أن من المفترض أن يلتحق خمسة ملايين طالب هذا العام.   

تصريحات وزارية

تشير تصريحات وزارة التربية والتعليم إلى أن ما يقارب خمسة ملايين من الطلاب سيلتحقون بمدارسهم هذا العام، وتأكد بأنها استكملت إجراءاتها كافة لاستقبالهم منذ اليوم الأول، في /22/ ألف مدرسة، غير تلك التي دمرت نتيجة العنف طبعاً ولم تعد صالحة.

وبحسب الوزارة أن/385/ ألف معلم ومدرس وإداري، سيشرف على سير العملية التعليمة والتربوية في مدارس القطر كافة.

واعتبرت الوزارة في تصريحاتها الأخيرة أن الطلاب الذين سيتوجهون إلى مدارسهم، يمثلون مستقبل الوطن، وعليهم تقع مسؤولية التغيير، دون أن تجيب على معظم إشارات الاستفهام...؟ التي تدور في عقول أهالي الطلاب رغم كل الجهود التي تتحدث الوزارة عن بذلها لبدء العام الدراسي الحالي.

تساؤلات مشروعة

تساؤلات مشروعة رغم جهود المعنيين المشكورة: هل الظروف التي يعيشها الطلاب وأسرهم ستعينهم على تحمل هذه المسؤولية التي تتحدثون عنها..؟

وهل يتوفر للطلاب الجو المناسب والصحي للدراسة والذي يعينهم على النجاح والتفوق ليكونوا مستقبل هذا الوطن؟ وهل وضعوا في حسبانهم الآثار، فيما لو لم تسمح الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد في سير العملية التعليمية بشكل سليم نتيجة عدم تمكن أعداد كبيرة من الطلاب من الالتحاق بمدارسهم بسبب العنف والعنف المضاد، والذي سيجبرهم فيما لو التحقوا بمدارسهم على الانقطاع المتكرر عن الدوام نتيجة أحداث العنف التي قد تقع بين الفينة والأخرى في مناطقهم، و سيفوتهم الكثير من الدروس، وربما الانقطاع عن الامتحانات فيما لو نشبت الاشتباكات المسلحة في مناطقهم؟.

وهل انتبهت أطراف الصراع المسلح في سورية إلى الآثار السلبية والخطيرة على مستقبل الطلاب خصوصاً وعلى سورية عموماً، فيما لو استمر اللجوء إلى الحلول الأمنية والتي تؤدي إلى تصاعد وتيرة العنف والعنف المضاد في سورية، ما سيؤدي مستقبلاً إلى خلق جيل كامل عاجز عن أداء مهامه وواجباته للنهوض بمستقبل البلاد الأمر الذي من شأنه إرجاعها عشرات الأعوام إلى الوراء، فيما لو لم يتوصل أطراف الصراع إلى حل سريع قبل فوات الأوان؟!

تضخم في مدارس دمشق

شهدت مدينة دمشق منذ بدء الأزمة تزايداً كبيراً في أعداد سكانها، نتيجة أعمال العنف والعنف المضاد في معظم المحافظات وإجبار أعداد كبيرة من أهالي هذه المناطق إلى إخلاء منازلهم ومناطقهم جراء الاستمرار في الحلول الأمنية، وملاحقة المسلحين، الأمر الذي ساهم في زيادة عدد الطلاب المتواجدين في دمشق والذين ستجبرهم الأوضاع المتردية في محافظاتهم على التقدم للتسجيل في دمشق مما سيترتب عليه أعباء مضاعفة على مدارس دمشق، التي تحاول وزارة التربية استيعابها من خلال اعتماد نظام الدوامين «الصباحي والمسائي» لاستيعاب الأعداد الطلاب الكبيرة الموجودة حاليا في محافظة دمشق.

تشرد وحرمان من التعليم

أعداد كثيرة من أطفال سورية سيحرمون هذا العام من حقهم المشروع في التعليم، نتيجة التطور المسلح الذي بدأ يتخذه مسار الأزمة في الشهور الأخيرة الماضية، والتي ستلقي بظلالها على سير العملية التعليمية بشكل طبيعي وتحد من فرص نجاحها في تأمين حق التعلم للأطفال، فمعظمهم يعيشون بظروف صعبة ستحول بينهم وبين حصولهم على هذا الحق، بسبب أحد الأسباب التي ذكرت أو معظمها.

وهناك الكثيرمن الحالات التي يمكن إيرادها كنماذج من الأسر السورية التي حرم أبناؤها من حق التعليم لهذا العام نتيجة الأزمة وأعمال العنف والحلول الأمنية المتبعة في مواجهتها، والتي لم يأخذ طرفا الصراع مصلحة المواطن والطالب في الحسبان، وراح ينحصر تفكير الطرفين بكيفية حسم الموقف لمصلحته دون أن ينتبه إلى أن هناك أطفالاً  في سورية لهم الحق بالحصول على التعليم، وبأنه  فيما لو استمرت الأزمة دون يجاد حل لن تؤثر فقط على مستقبل أطفال الوطن فقط بل على البلد بشكل عام.