كفاكم صخباً
بالأمس طلع علينا وزير الكهرباء ببلاغ عسكري 220 فولط «سنقطع الكهرباء عن كل من يتخلف عن دفع الفاتورة»، ناسياً أن العاطلين عن العمل، وأن الموظفين العاملين على نظام السخرة والأجر والثواب عند الله، وأن المواطنين الذين استنزفهم التجار في الأوقات العادية وقبل الأزمة كانوا عاجزين عن تسديد فاتورة الكهرباء التي تفرض عشوائياً دون قراءة العداد! فكيف وقد صار إيجار المنزل ضعف راتب الموظف، وشحت السلعة بسبب المقاطعة وتوقفت المعامل عن الإنتاج وخطورة النقل من مكان لآخر، والفروج الذي يعتبر غذاء شعبياً بسعر الكافيار.
أود أن أذكر الوزير العتيد، الحريص على مصلحة البلد أن الوزارة قد منحت آجالاً وإعفاءات لأصحاب المنتجعات السياحية والفنادق لأن المساكين في أزمة ... أصحاب المليارات ولصوص قوت الشعب في أزمة.... والحكومة طبعاً مع المأزومين والمتضررين. أما الفقراء أما المواطنون العاديون فقد كتب عليهم منذ التكوين أن يكونوا رديفا للحيوانات التي حلل الله ذبحها وركوبها. ومن يدري فقد تحلل الحكومة أكلها حتى تكتمل وتستقيم التصرفات في سياق منطقي واحد.
من لا يعمل، من أجره لا يكفيه كلفة سكنه، من يضحي بدمائه في سبيل الوطن، من لم يرفع صوته ضد حكومة انشق رأسها وترك البقية تعمل في الناس شقا وتخييطا، من تهدم منزله على رأسه، من مات وهو يقول «تقضي الرجولة أن نمد جسومنا جسراً فقل للمتسلقين أن يعبروا»، يجب عليه أن يكمل المشوار وأن يرفد الخزينة بما سرقه المستثمر من ضريبة الدخل ورسوم الجمرك وحقوق العمال.
وعلى المنوال نفسه رفعت أسعار المازوت 3 ليرات فقط للعاطلين عن العمل و5 ليرات للمستثمرين وأصحاب العمل دون النظر عن أثر هذه الزيادة على المواطن البردان والفلاح، إذ لا خوف على باقي النخبة من موظفين كبار ومستثمرين وصناعيين لأن السلعة لازمة والمواطن مجبر على شرائها ولو سرق ولو.... (يرفض الحرف أن يصرح خجلاً وذلاً).
أما السرقة الموصوفة التي ارتكبتها الحكومة في استثمارها لجرة الغاز فحكاية لوحدها. تقول الأسطورة: إن الربة «سادكوب» كانت تبيع جرة الغاز وعليها ختم الرصاص حتى تكون مسؤولة عن المحتويات والوزن وحتى تقطع الطريق على الموزعين الذين امتهنوا انتهاك حرمة الجرة وتعبئة جريرات الغاز الصغيرة. ثم نامت نواطير مصر عن ثعالبها فألغي ختم الرصاص وقسمت السرقات بين سادكوب والموزعين. صار سعر الجرة يرتفع شيئا فشيئا حتى وصل إلى 250 ليرة سورية. ثم اكتشفت الحكومة أن المواطنين الأشرار يسرقونها في جرة الغاز فرفعت السعر إلى 400 ل.س قبل ان تطلق قنبلة الموسم وتعلن انقطاع امدادات الغاز فحلقت الأسعار لتخرق حاجز ال 2000 ل.س كاملة كانت أم ناقصة أم فارغة. صار الناس يترحمون على الجرة أم 400، يتخيلونها في غرفة النوم والحمام ومشوار السيارة.
رق قلب الحكومة وضربها عارض الإبداع في ايجاد الحلول بإنشاء مراكز للتوزيع تحت رقابة الشرطة الذين هم أساساً في خدمة الشعب ومساعدة بقية فروع الأمن تحت إشراف المحافظة؛ سلسلة من الشرفاء الذين لا يرضون على أنفسهم أن يخونوا الأمانة ويحلوا محل الموزعين الجشعين.
لم تستطع الحكومة ضبط التوزيع أو خفض السعر (رغم أنها قامت بعملية نوعية فضبطت شخصاً واحداً يستغل الأزمة في دمشق) وعزت ذلك إلى سببين، نقص إمدادات الغاز، وتدخل السماسرة والموزعين، فقررت تخفيض عبوة الغاز حتى تملأ أكبر عدد من اسطوانات الغاز، والتوزيع على البطاقة العائلية وبذلك يكون الغاز متاحاً للجميع كل حسب مقدرته وقدرته على الانتظار تحت الشمس في مراكز التوزيع. إلا أن الحكومة حافظت على السعر 400 ل.س للجرة الناقصة. ضرب من الذكاء وعبقرية في زيادة السعر مرتين متتاليتين مرت الثانية دون احتجاج بل بمباركة المواطنين الذين اشتاقوا لرائحة الغاز في مطابخهم.
أسئلة كثيرة تطرح نفسها:
هل سيخفف المسؤولون والأغنياء واللصوص الشرفاء استهلاكهم للمازوت فيصومون عن الدفء ويغلقون أجهزة التدفئة المركزية بسبب ارتفاع سعر المازوت ولو بلغ 100 ل.س للتر الواحد؟ هل سيوقفون مكيفاتهم الكهربائية بسبب فاتورة الكهرباء؟ هل دفع أي مسؤول 2000 ل.س أو نصف هذا المبلغ ليحصل على جرة غاز؟
هل قدر المواطن العادي الذي يلهث وراء لقمة العيش ويرى الرغيف، الذي تمن به الحكومة علينا وكأنها تدعمه من جيبها الخاص، حلماً يراه في الليل ويجري وراءه في النهار، أن يصنع ثروات الأغنياء ويملأ جيوب المسؤولين والتجار وان يتحمل عبء تمويل الخزينة؟ ألا تكفيه ضريبة الدم والتشرد والهرب من بيت إلى بيت ومن مدينة إلى مدينة؟
هل رحلة الألف ميل نحو الإصلاح تبدأ من رفع سعر المازوت وجرة الغاز والتهديد بقطع الكهرباء بعد أن حرم المواطن من حق الحياة الكريمة؟
هل هذا جزاء سنمار لمن حمل الوطن في قلبه وروى الأرض بدمه ويموت وهو ينادي حماة الديار عليكم سلام؟
هل هكذا يكافأ أهل الجنود والشهداء والجرحى؟
هل تخطط الحكومة لصرف تعويضات اغتراب للأغنياء والتجار الذين تركوا البلد أثناء الأزمة وانتشروا في مرابع ومنتجعات أوربا وغيرها، بعد أن تبرعت بتسويق منتجاتهم في الخارج وتحمل كل تكاليف التصدير والخزن والعرض وإقامة المشرفين على ذلك؟
أيها السادة الوزراء، هل يعيش احدكم على راتبه؟ هل تدركون حقا معنى الجوع والتشرد والحرمان من كل شيء حتى من الأمل في غد أفضل؟ هل أنتم بقية داحس والغبراء؟ هل أنتم حكومة الغرباء؟ وهل الإصلاح بمصمصة الشفاه والترحم على الشهداء؟ هل أنتم جزء من الحل أم من الأزمة؟
بدل أن تحشدوا الوطن، كل الوطن، حول علَمه وحريته وكرامته، نراكم تزيدون جرعة الاستياء لديه خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي يطهر فيها الجيش الباسل أرض الوطن من القتلة والمندسين والمتورطين، على كل رقعة الوطن، والتي نحتاج فيها إلى كل مواطن خلف قائده وحكومته وجيشه.
أيها السادة الوزراء ... يا قادة الوطن ... إذا كنتم تعجزون عن إدارة هذه البلد في هذه المرحلة بالحكمة والرأفة فلا تضيعوا البلد بالقرارات المتسرعة وإلا كنتم أخطر على الوطن من أعدائه والطابور الخامس الذي يعدل الكفة إلى مصلحته كلما مالت باتجاه مصلحة الوطن.