المسؤولون.. أي منقلبٍ ينقلبون؟!
أصبح التخبط والعشوائية والحلول الارتجالية والرِّدّة والانقلاب على المكاسب المحصًّلة عبر عقود طويلة، سمة دائمة تمارَس بحق احتياجات المواطن الضرورية كالمأكل والملبس والمسكن، مما يزيد في تفاقم الأزمات المعيشية اليومية، وكأنها مخطط مدروس ومقصود!
وأصبحت الزيارات التي يقوم بها المسؤولون الكبار ذراً للرماد في العيون، وينقلب على توصياتها وقراراتها المنقلبون، ويضيع بين حانا ومانا المواطنون الكادحون، الفقراء والمعدمون، والعمال والفلاحون، وهم يتنقلون من وزير إلى وزير، ومن مدير إلى مدير ترهقهم ذِلّة الحاجة وضيقُ ذات اليد.. وتتحول القرارات والتوصيات إلى بؤر جديدةٍ للنهب والفساد!
الأمثلة على ذلك كثيرة، مثل صندوق الدعم الزراعي، وبطاقات المازوت التي لا تزال حتى الآن لهذا الشتاء نسياً منسياً، إلى إعانات منكوبي الجفاف، وغيرهم الكثير من النماذج الغريبة، التي سنغوص في تفاصيل واحدةٍ منها، ونُذكِّر بها لعل الذكرى تنفع..!
كان رئيس الحكومة قد قام بزيارةٍ إلى محافظة الرقة في 15/12/2004، وكان المطلب الهام والمصيري للفلاحين واتحادهم، السماح ببناء مساكن ولو من طين، تقيهم حرّ الصيف وبرد الشتاء هم وحيواناتهم، أثناء عملهم في الحقول البعيدة عن سكنهم، وعلى إثرها صدر الكتاب 33/ص/م.و/5 تاريخ 23/3/2005، الذي جاء في مضمونه: أنّ على رؤساء الوحدات الإدارية والبلديات المعنية في كلٍ من محافظات دير الزور والرقة والحسكة، الموافقة والسماح لمواطني القرى التي تنتشر فيها الأبنية الطينية، ببناء مساكن أو حظائر، واعتبارها رخصاً لمبانٍ مؤقتةٍ ومعفية من تقديم مصوراتٍ هندسية، وقد جرى تجاهل مضمون هذا الكتاب!
بعد أربع سنوات ونصف تقريباً عاود اتحاد الفلاحين التأكيد على ضرورة حل المشكلة، ووجه الكتاب رقم 103/ص/ن/س تاريخ 22/10/2009 مطالباً الحكومة بالسماح للفلاحين ببناء مسكن فلاحي، وبتاريخ 26/10/2009 صدر الكتاب رقم 2201/ق من رئاسة مجلس الوزراء يسمح بموجبه للفلاحين ببناء غرفٍ زراعيةٍ ومستودعات وحظائر مواش وغيرها من مستلزمات حياة الفلاحين في الأراضي الزراعية البعيدة. وفي السياق نفسه أصدرت وزارة الزراعة الكتاب رقم 108/ص.ت تاريخ 25/10/2009 يتضمن حصر موافقات منح رخص البناء التي تحقق الأهداف الزراعية وفق البيانات والمواقع وتصنيف الأراضي في الصفوف الأربعة الأولى من دليل تصنيف الأراضي الزراعية. وبدأت مديرية الزراعة بتشكيل لجنةٍ لهذا الخصوص، وتم التأكيد على ذلك بتاريخ 6/12/2009 حيث أصدرت وزارة الزراعة الكتاب رقم 2848/ش/ز الذي يُسمح بموجبه للفلاحين ببناء مستودعاتٍ زراعيةٍ. واستبشر الفلاحون خيراً.
ولكن الفرحة لم تكتمل فقد عادت الوزارة ولحست قراراتها وكتاب مجلس الوزراء وكتاب اتحاد الفلاحين، وأصدرت الكتاب رقم 823/ص.ت/8 تمنع بموجبه تراخيص البناء في الأراضي الزراعية التي سمحت بها ضمن الصفوف الأربعة من دليل تصنيف الأراضي الزراعية، وأوكلت مهمة المنع لمؤسسة استصلاح الأراضي، علماً أنّ كل الأراضي المحيطة بالمزارع هي في الصفوف الأربعة المذكورة!
لماذا هذا التجاهل الحكومي لمصلحة الفلاح والزراعة؟! ولماذا تسعى الحكومة دائماً لوضع العراقيل أمام استقرار الفلاح وارتباطه بأرضه وحفاظه على كار أهله وجدوده؟! هل هو مخطط مقصود لإبعاد الفلاح عن مهنته ومصدر عيشه الوحيد؟! أم هو مخطط للقضاء على القطاع الزراعي عموماً في خطوة لتدمير الوطن من الداخل؟! أسئلة كبيرة وخطيرة تنتظر إعادة النظر في ظروف سكن الفلاحين البعيدين عن مزارعهم، لعل قراراً يشجعهم على التشبث بأرضهم والاجتهاد في كدِّهم وعملهم الذي فيه صون كرامة الوطن وتحقيق أمنه الغذائي!!