معلمو الصفوف.. قدوات تبحث عن «التفرّغ»!
يعدُّ المعلّمُ العمودَ المركزي في العملية التعليمية، كما أن الطالب هو محور هذه العملية، ولا يقف دور المعلم عند تقديم المعلومات المقررة ودراسة المنهاج من أجل الطلاب، ولا عند المطالبة بالحفظ والاهتمام لاسترجاع المعلومات عند الاختبارات، بل يمتد إلى أبعد من ذلك، إلى بناء شخصية الطلاب على أسس علمية سليمة، عبر تشجيعهم على التعليم النافع.
وانطلاقاً من هذا الأساس فهناك الكثير من الواجبات على المعلم تجاه طلابه، وتتمثل بالعمل على زرع الرغبة في نفوس الطلبة لنيل العلم النافع، وغرس حب العلم في حياتهم للاستفادة منه، وهذا يتطلب من المعلم توظيف ما يراه مناسباً لإتمام درس ما وتقديمه بشكل جيد، لا أن يكون مثالاً للتراخي والتهرب من المسؤوليات أو استثمار وقت الواجب التدريسي بأداء واجبات اجتماعية خارج الصف أو قضاء مهام روتينية على حساب مصلحة الطلاب بتحصيل العلم.
ولطالما كان المعلم قدوةً ومثلاً أعلى للطلاب، فالكثير من الطلاب يرى في المعلم قدوته، ولكن كيف سينظر الطلاب إلى مثلهم الأعلى إذا كان يداري أخطاءه بعلاقات خاصة مع مدير عمله؟ طبعاً إن هذه النوعية من المعلمين ستكون نموذجاً ممتازاً ولكن ليس للطلاب الذين سيبادرونها بقلة الاحترام، وإنما للفاسدين الذي أصبحت الرشوة أبرز سماتهم وخصالهم داخل وخارج محيط العلم وحقوله.
وكمثال على هذا النموذج من المعلمين، نذكر ما بدر عن أحد المعلمين حيال حادثة كسرت جراءها يد طالب في مدرسة (ابن الأثير) في دمشق (العدوي)، وقد وقعت الحادثة أثناء غياب المعلم المذكور عن درس الرياضة حيث أدعى أنه كان في بطولة خارج البلاد، ولكن بمجرد إخباره بالحادثة ظهر في ساحة المدرسة وخلال دقائق فقط، ومن الجدير ذكره أن الطالب الذي كسرت يده، تلقى «حقيقة» مزيفة لقنه إياها المدير والمعلم ليدلي بها في المشفى ومفادها أن الحادثة جاءت قضاء وقدراً، رغم أنها نجمت عن تقصير واضح تجلى في نقطتين أولهما غياب معلم الصف، وثانيهما غياب أي بديل عنه ليرعى حصة الرياضة للصف المليء بالطلاب.
ومن مدرسة أخرى، نسلط الضوء على مشكلة خاصة بين المدرسين أنفسهم، وهي المنافسة على الشؤون الإدارية والتفريغ في المدارس، ووفقاً لقرارات وزارة التربية فلابد من منح أي معلم حقوقه وتعريفه بكامل مسؤولياته، ومن غير اللائق أن يبذل المعلم حياته في المدارس ويقضي فيها زهرة عمره مدرساً للطلاب ثم عندما يحين موعد تفريغه يفاجئ بأن غيره من المستجدين في التدريس قد سبقه وحل محله. وهذا ما حدث في مدرسة (الشهيد موسى الدهش) في بلدة (مخيم الوافدين) حيث تم تفريغ مدرسات صغيرات في العمر لا تزيد خدمتهن التدريسية عن عشر سنوات بدلاً من المدرسات ذوات الخدمة الطويلة واللاتي قضين حياتهن في خدمة التدريس والوقوف الطويل في الصفوف وفي الشرح والتفسير والتعب مع الطلاب، علماً أن المعلمات الأكبر كنّ أولى من غيرهم في التفريغ حيث أصبحن غير قادرات على أداء هذه الوظيفية نظراً لتقدمهن في السن وانخفاض قدراتهن التدريسية لأسباب وظروف صحية.
وبالنظر لتلك المشكلات يتبين أن التفريغ يتم على المحسوبيات والمعرفة و«المونة» على الموجه التربوي في هذه البلدة، بدل أن يتم وفقاً لقرارات وتوجيهات وزارة التربية.. ولكن، أليس أولى بالقائمين على الإدارة في هذه المدرسة وغيرها أن يفكروا بأن هذا المنهاج الجديد بحاجة إلى معلمين أكفاء ولديهم طاقات كبيرة وفي مقتبل العمر بما يتناسب مع الضغط الذي يحتويه هذه المنهاج؟ إلى متى ستظل وزارة التربية غائبة و«مطنشة» حيال واقع مدارسنا ومشاكلها؟! سؤال برسم كل ذي ضمير في الوزارة!.