ترسيم حدود إداري

ترسيم حدود إداري

بكل بساطة يقول وزير في مؤتمر صحفي: «هذا ليس من اختصاصنا، هذا من اختصاص وزارة أخرى»، ومن بعيد يأتي صوت محافظ مدينة كبرى ليقول: «هذا الشارع ليس تابعاً لمحافظتي» بل للمحافظة التي يفصلها عن محافظته الشارع نفسه.

بالبساطة نفسها هذه حكاية المسؤولين الكبار، فما بالنا من هم دون هذا السقف المرتفع، وتلك حكايات المدن المهملة بسبب حكايات من نمط (السوالف).. شارع يحكمه رئيس بلدية وآخر يجاوره يحكمه رئيس بلدية أخرى.

نمط تفكير وعمل يجعل المواطن وشارعه ومآسيه في انتظار أن يضع هؤلاء في بالهم أن خدمة المواطن مسؤوليتهم، وواجبهم، والهدف الأول الذي من أجله يمسكون بالكراسي والمنابر.

ما قادني إلى هذه المقدمة عبارات سريعة وقصيرة قالها الدكتور رضوان الحبيب في المؤتمر الصحفي الذي عقده في مبنى وزارته للحديث عن إنجازات الوزارة في فترة توليه، وربما يكون السيد الوزير معذوراً في كونه جاء إلى الوزارة المحكومة كأخواتها بعقلية «هذا من شأني وهذا من شأن غيري»، وربما كانت القوانين البلهاء التي لا تناسب ما هو موجود على الأرض هي السبب في تلك العقلية المتجذرة، وربما تكون كل تلك الأسباب.

السيد وزير الشؤون الاجتماعية وفي معرض رَدِّهِ على سؤال يتعلق بالتسول، وجموع المتسولين التي تفترش شوارع دمشق، وأنها صارت مهنة لها ربانها، وربما إذا ما استمر حالنا هكذا بالتردي تكون من صادراتنا.. قال الوزير: لدينا مأوى واحد في الكسوة، وهذا ليس من اختصاصنا، بل من اختصاص وزارتي الداخلية والسياحة.

أما عن أحوال المعاقين أيضاً هذا من شأن وزارة الصحة، فيما يؤكد السيد الوزير أن أحوال المعاهد بشقيها ليست جيدة، وليس راضياً عنها، وكان معهد سيف الدولة في حلب مثالاً عن تردي أوضاع المعاهد، وتفشي الأمراض، وأن هذا المعهد ساهم في اكتساب الأطفال لعادات سيئة، وأن السيجارة تباع في جنبات المعهد بـ500 ليرة سورية.

السيد الوزير برر عدم اختصاص وزارته في ظاهرة التسول بعدم وجود نص قانوني، وهل هذا يعفي الوزارة من ظاهرة في جوهرها اجتماعية، وفي انعكاساتها اجتماعية، وأما دور بقية الوزارات المعنية فيأتي في الإطار الشكلاني.

إذا كان هذا هو اختصاص وزارة السياحة، ووزارة الداخلية، فهل ستضع وزارة السياحة المتسولين في (الفورسيزن) لإعادة تأهيلهم، وإعادتهم أصحاء إلى مدارسهم ومجتمعهم؟!.

هل تمتلك وزارة الداخلية دوراً متخصصة، ومعاهد بميزانيات وأساتذة ومختصين لإعالة المعاقين، أم أنها من الممكن أن ترميهم في سجن عدرا ريثما يتم نقلهم إلى المعاهد السيئة التابعة لوزارة الشؤون، أو إلى المعهد الوحيد في الكسوة؟.

في الجانب الآخر من تفشي ظاهرة عدم الاختصاص أو الصلاحية... الحجة التي يتهرب منها البعض من مسؤولياته.. هو الفصام الحاصل في خدمات النازحين المتواجدين في ريف دمشق بحكم قدرهم، والمساكين الذين تتقاسمهم البلديات المتناحرة في حصصهم، فالبلديات مجتمعة تدخلهم في حساباتها المادية في ميزانيتها، وفي إنفاقها، وعلى الأرض يتم (شلفهم) بين الاثنتين.

في خدمات الماء والصرف الصحي والتي تشكل اللبنة الأساسية للبنية التحتية لأي تجمع هذا من اختصاص محافظة القنيطرة، أما في جانب المالية والضرائب وهدم المخالفات فهذا من اختصاص محافظة ريف دمشق.

بين محافظة ريف دمشق والقنيطرة ضاعت (الطاسة) وحقوق تجمعات النازحين، ويسخر مواطن في أحد التجمعات من حاله وأحوال أقرانه فيقول: كم هي تكلفة جر المياه من القنيطرة إلى (السبينة) لكي يشرب أبنائي مياهاً كلسية، وأنا من سيدفع في النهاية الفاتورة التي لا تميز بين نازح ومواطن؟.

ريثما يتم ترسيم الحدود الإدارية بين محافظاتنا ووزاراتنا.. يزداد العطشى والمتسولون والمعاقون..