رحلة البحث عن الرجل الاكتواري.. وزير العمل ينتقد القانون /17/ ويصف بعض مواده بـ«الظالمة»!
ليس رجلاً خارقاً، أو لغزاً سنفك ترميزه في هذا التحقيق، ولكنه استطاع على مدار خطتين خمسيتين أن يشغل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في بلدنا، فهو ليس بالأسطورة.. فقط هو كذلك لوزارة قد يكون من أهم الشخصيات التي عليها التواجد في خططها، وتعديلات خططها، وخبيراً دائماً ومقيماً في مبناها الجديد الذي سيتسع عن سابقه لكفاءات من هذا المستوى.
ومثل وزارة العمل فعلت، وكانت المرة الأولى خلال ولاية الدكتورة ديالا الحج عارف مقاليد وزارة العمل، والثانية وبحثت بشكل أدق بعد أن استثارتني رغبة الدكتور رضوان الحبيب وزير العمل الجديد في الحكومة الجديدة، وحديثه عن البحث عن رجل اكتواري، وقال الحبيب بالضبط: لا يوجد اكتواري واحد في سورية، وأنا أبحث عن مؤسسة لإنجاز الدراسة الاكتوارية لأننا نريد دراسة جدية وحقيقية.
اكتوارية الحج عارف
في النهاية لم توافق وزارة العمل السابقة على الدراسة الاكتوارية التي قدمتها بعثة البنك الدولي حول واقع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والتي نصت على تخفيض الراتب التقاعدي من 75 بالمئة إلى 62 بالمئة.
ورأت الحج عارف حينها أن هذه مجرد دراسة لا أكثر ولا أقل، ولا تمس هذه الدراسات أصحاب الحقوق المكتسبة وبغض النظر عن الأرقام التي تدور حولها الدراسات، وأن الخروج بقرارات كهذه يحتاج إلى وقت طويل، ومن المبكر الحديث والتكهن بالنتائج على أرض الواقع.
وحتى تاريخه ما يزال البحث جارياً عن الرجل الاكتواري الذي سيساهم في تقديم دراسة تليق بمتقاعدينا وبتأميناتنا الاجتماعية، فالدراسة الاكتوارية التي قدمها البنك الدولي - الذي يشك بنواياه- ترى تعديل الواقع للمتقاعدين سينقذ مؤسسة التأمينات من الإفلاس، وبالوقت ذاته يطيل عمر الموظف في وظيفته إلى أربعين عاماً مقابل 62 % بدلاً من 75 % من الراتب وبدلاً عن خدمة ثلاثين سنة.
ولإنقاذ المؤسسة كما يرى البنك الدولي وبتخفيض نسبة اشتراك العامل إلى 14% بدلاً من 24%، سيتم دخول ثلاثة ملايين عامل سوق التأمين، وسيشجع هذا التخفيض أرباب العمل على إشراك عامليهم في التأمينات، والالتزام بما عليهم من ضرائب تجاههم.
الاكتواري المفقود
حتى الآن فشلت جهود الوزارة السابقة واللاحقة في إيجاد اكتواري واحد يحقق معادلة لا تضر بالمؤسسة الاجتماعية والعامل المنهك وصاحب العمل الذي لاصفة واضحة له، إلا أن الوزير الجديد يرى أنه لا يمكن أن يتحمل مسؤولية تخفيض نسبة الاشتراك، وهذا أمر جيد، ومع ذلك يحاول الوزير أن يمسك المسألة بيد واثقة من خلال عدم قبول الدراسة إلا عن طريق مؤسسة موثوق بها، وأنه في الوقت الحاضر يتم البحث عنها، وأنه توجد دراسة أعدها معاونه الدكتور حسن حجازي وهي قيد النقاش الآن.
السؤال الذي يخطر في البال فوراً: ألم يكن بالإمكان أن تقوم وزارة العمل بتأهيل رجل اكتواري واحد؟ واحد فقط؟ أليس هذا أجدى من الاستمرار في استجداء البنك الدولي، والدفع بالعملة الصعبة لدراسات نتحفظ عليها.. لماذا كل هذا الهدر في دولة ليس لديها الكثير لتهدره دون جدوى على الغالب؟
يرى مختصون أن الخبراء الاكتواريين يحتلون مرتبة متقدمة جداً في مستويات الدخول في الولايات المتحدة الأمريكية وفي دول أوروبية كثيرة.. أما هنا، عندنا، وفي مؤسسة التأمينات كما يقول عمال لم يسجلوا أن أصحاب الدخل الأعلى في وزارة الشؤون والعمل هم المفتشون.. لماذا قيل الكثير عن أساليب إرضاء صاحب العمل على حساب الطرف الأضعف دائماً.. أي العامل؟.
الوزير.. لست راضياً
السيد الوزير، وفي إجاباته عن القضايا السلبية التي تعترض عمل وزارته، أكد عدم رضاه عن المعاهد التابعة لوزارته، وجاء معهد سيف الدولة بحلب نموذجاً عن عدم الرضا، والسبب كما قال الوزير إنه سيىء، وأكسب الأطفال عادات سيئة.
ملاحظة السيد الوزير تكاد تنطبق على المعاهد العاملة على رعاية المعاقين والمتسولين والأحداث، وهذه المعاهد لم تقم بدورها المنوط بها، والدليل على ذلك تحول الظواهر البسيطة السلبية إلى حالات اجتماعية عسيرة الحل، وتستوجب استنفار الوزارة لا الحديث عن أدوار مختلفة لوزارات أخرى متخصصة، وأدوار متقاسمة، ضائعة ومتناثرة بينها.
القانون /17/ نصوص ظالمة
وزير العمل في المؤتمر، أكد على وجود مواد ظالمة في القانون 17، وخصوصاً المادة 64 المتعلقة بالتسريح التعسفي، ووصفها بالنص الظالم الذي حتى لو تم الحكم فيه لمصلحة العامل بإمكان صاحب العمل أن لا يعيد العامل إلى عمله.
كما انتقد الوزير المحكمة العمالية التي لم تجتمع حتى الآن، وقال إنه اتصل بوزير العدل واتفقوا على أن تعود قضايا العمال لمحكمة البداية للنظر فيها.
الوزير قال إن كل قضايا العمال قد تعطلت.. وهنا من المفيد أن نعود إلى مجموع القضايا التي رفعها العمال ولم ينصفهم أحد، أو التي يعطلها القضاء بآلياته الفاسدة، وروتينه.
وفي التفاتة سريعة للأمس القريب جداً، نتذكر مضطرين ما كانت الوزيرة حاج عارف قد قالته عن القانون ومحكمة العاملين ما يلي: إن مشروع قانون العمل الجديد الذي أقره مجلس الوزراء مؤخراً تضمن العديد من المزايا والمواد التي تكفل حقوق العمال وتحافظ على مكتسباتهم حيث استبدل لجان قضايا تسريح العمال بمحاكم يرأسها قاض ومشاركة ممثلين عن نقابة العمال وأرباب العمل، كما أجبر صاحب العمل على تعويض العامل المسرح بشكل تعسفي براتب شهرين عن كل سنة خدمة على ألا يتجاوز التعويض 150 مثل الحد الأدنى للأجور.
ترى كيف تصير معادلة صحيحة بهذا الشكل الغريب، ولماذا يذهب المخطئ إلى بيته كأنه صنع إنجازاً في كوننا اكتشفنا بذهابه خطأً.. كيف؟
استثمارات عمالية.. آمنة
هل استثمارات أموال العاملين آمنة؟ يكاد الوزير أن يقول لا، وهنا لا أقوّله، ولكنني أستنتج ذلك بناء على قوله إن الاستثمار العقاري ليس هو الأمثل، ومؤسسة التأمينات استثمرت بناء من 12 طابقاً في الرقة بـ100 مليون ليرة، وهل استثمار كافيتريا أو مطعم أو فندق لا يعرف العامل أين هو، ولا يدخله إلا في الاحتفالات، وفي تتويج أبطال الإنتاج باستثمار آمن؟.
كيف يمكن لنا – نحن المواطنين- أن نعرف ما هو الاستثمار الآمن من سواه؟ ما تعريف الاستثمار الآمن؟
المسح الاجتماعي.. وظلاله
ما لا يمكن احتمال بقائه أبداً هو النتائج السلبية والانعكاسات المريعة للمسح الاجتماعي الذي أجرته الوزارة سابقاً، ولم يحاسب عليه أحد، والذي انتقده الوزير الحبيب بعبارات قاسية الآن، وأضاف عليه هذه المرة 160000 شكوى بخصوص المعونة الاجتماعية.
صندوق المعونة الاجتماعية الذي جاء ليساعد الفقراء، وعديمي الدخل، فإذا بأمواله تذهب إلى جيوب أصحاب المزارع والمخاتير وأصحاب الماسحين.
المشتكون هم القلة التي ارتضت أن ترفع شكوى بظلمها، والبعض فضل عدم اللهاث وراء قروش كما قال، والنسبة الأكبر قالت لا فائدة ولا جدوى من الشكوى.. هل نشكو الحكومة للحكومة؟ وماذا نكسب من وراء ذلك؟.
تسريح تعسفي
الأشهر الأخيرة شهدت حالات تسريح بالجملة، وقد وصل عدد المسرحين حسب التأمينات الاجتماعية إلى أكثر من 76 ألف عامل، وقد أكد ذلك تقرير الاتحاد العام لنقابات العمال المقدم إلى مجلسه الذي انعقد أخيراً.
من حق الوزير أن ينفي حصول تسريح جماعي للعاملين، وأن يأمل خيراً من الحوار الودي مع أرباب العمل.. لكن السؤال المؤلم هنا: كم أسرة شردت بقرارات التسريح الجماعي؟ وماذا فعل هؤلاء في هذه الظروف العصيبة التي ما انفكت تمر بها البلاد؟.
وربما يقول البعض إن الأزمة الحالية هي السبب، ولكن الأمر يعود في رمته إلى عدم وجود مظلة حقيقية تحمي العامل وقت الأزمات.
آفاق ممكنة
تبقى الأسئلة المفتوحة تراوح مع أمل أن تحقق بعضاً من طموحات مَنْ هم في رقبة وزارة العمل، المتقاعدون والعاملون في القطاع الخاص، أولئك الذين كانوا وما يزالون يدفعون أثمان كل الأخطاء التي ترتكبها الحكومات المتعاقبة، وكل أثمان صلف أرباب العمل، وعلى المؤسسات التابعة للوزارة وفي مقدمتها مؤسسة التأمينات أن تواري أخطاء عامليها وفي مقدمتهم المفتشون الذين يساهمون بقسط كبير في ظلم العامل، وعلى حساب الفتات الذي يرميه صاحب العمل لهم على شكل هبات لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالرشوة لا سمح الله!!!.
أما في الوقت الحالي فيبدو الوضع الذي تعيشه البلاد يزيد من حدة الظلم الواقع على عمال الورش الصغيرة، وخصوصاً تلك العاملة في البناء والتي لا تجد من يحميها.
عدا عن ذلك يبقى في ذمة وزارة الشؤون الاجتماعية أن تستخلص لنفسها الحق في معالجة قضايا تهدد أجيالنا القادمة.. التسول والأحداث الجانحون، والمعاقون الذين يستدرجون إلى الدعارة ومهن العالم السفلي والجريمة.
في ذمة وزارة العمل الأسر التي تئن تحت مستوى الفقر والظلم الاجتماعي المنظم المستمر، ولا تجد معيلاً ولا مشروعاً صغيراً يحميها من عبث الجمعيات التي ترتزق على حسابها، وفي كثير من الأحيان، من لحمها!!.
في ذمة التأمينات الاجتماعية الآن ولدينا من الكفاءات والعقول الخارقة أن تحاول أن تعد (اكتوارياً) سورياً واحداً على الأقل، تمنحه أكثر من راتب موظف فئة أولى بقليل، وحوافز أقل من رشوة مفتش.. ربما لا نسمي عندها قراراتنا بالظالمة.