مطبات: فن التصريحات
بعد شهرين، أي مع بداية العام القادم، ستضع مديرية النقل الداخلي بدمشق 150 باصاً في الخدمة، وذلك لتدعيم الخطوط الحالية، وليس لفتح خطوط جديدة.
يتابع مدير النقل الداخلي بدمشق تصريحه بأن جميع الخطوط تعاني في الوقت الحاضر من الازدحام والضغط الشديدين، وأن مدينة دمشق في العام 2005، أي عندما تم توقيع العقد الذي بموجبه تم استقدام الباصات الصينية، لم تكن تشهد هذه الكثافة السكانية، وهذا الازدحام.
من حق المدير أن يقول ما يشاء، ومن حقنا أن نفكر في مقولته، وأن نزيد عليها كوننا من وسط (نقاق) على رأي منتقدينا أن نمعن في التفكير.
في اللقاء نفسه يقول المسؤول النقلي وبالحرف: (إن 60 باصاً ستعمل على تخديم خط السيدة زينب – برامكة في الأسبوع القادم، إضافة إلى أنه ستبدأ باصات المستثمرين بتخديم خط مخيم اليرموك – مركز البولمان، وخط مليحة – برامكة، وخط مشروع دمر خلال أيام، أي قبل خط صحنايا(...هل ستدخل هذه الباصات إلى مدينة غير دمشق، وهل ستكون نهاية خطوطها عند حدود ريف دمشق، فكيف لن يتم فتح خطوط جديدة؟.
ثم يعترف مدير النقل الداخلي بدمشق بالزحام والضغط الشديدين، لكنه في الوقت نفسه ينفي معاناة دمشق في العام 2005 من هذا الداء، وكأننا لم نكن وقتها نعيش في هذه المدينة، وكأن استقدام المعجزة الصينية لم يكن لحلحلة الأزمة التي يعترف بها، وجربوا فينا وفيها الكثير من الباصات المحلية والعالمية، من اليابان وكوريا، وكل النمور الآسيوية الصاعدة، وصولاً إلى العملاق الصيني.
نعم تضاعفت أعداد البشر القاطنين والزائرين للمدينة المزدحمة، وبالمقابل تضاعفت أكثر أعداد السيارات والباصات المتنوعة، وتضاعف الازدحام والضغط، وكبرت الأزمة، وكثرت الحلول التجريبية.
أما الجديد فهو انتقال الأزمة إلى الريف، واستثمار خطوط جديدة من جانب الشركات الخاصة العاملة على خطوط مدينة دمشق، هل حلت هذه الشركات أزمة المدينة لتعمم تجربتها على الريف؟ هل تعاني خطوط الريف من الاختناق كما تعاني خطوط المدينة؟ وإذا كانت المؤسسة العامة للنقل الداخلي تريد ترحيل السرافيس إلى الريف، فأين سترحل سرافيس الريف؟ وإذا كان مدير نقل دمشق قد أكد في حديث آخر بأنه سيتم تأمين فرصة عمل لكل سرفيس ينقل من خطه، فأين سيؤمنها؟
وبما أنه لدى وزارة النقل الهادفة خطة لإخلاء مدينة دمشق من الميكرو باصات، واستبدالها بباصات نقل داخلي تابعة لمؤسسة النقل حسب قول مدير نقل دمشق، ألا يتطلب هذا فتح خطوط جديدة، وترحيل سرافيس ومزيداً من الاستثمارات على جبهة النقل ستقودنا إلى أزمة خانقة أكبر؟.
هل يذهب مدير نقل دمشق إلى السومرية ليرى ويشاهد بنفسه ماذا حصدنا نحن كمواطنين من جراء إحداث كراج السومرية، والازدحام المرعب للبشر والباصات الملونة العاجزة عن حل اختناق يستمر طيلة اليوم، وأن الباصات الصينية الموضوعة على خطوط الريف تداوم نصف نهار، ولا تفعل سوى جمع الغلة الصباحية، وترك المواطن عرضة لمزاج سائق السرفيس ومعارفه؟.
يتابع مدير النقل وصاياه علينا حين يعتبر أن إدخال الشركات الخاصة للعمل على بعض الخطوط يأتي ضمن موضوع تطوير قطاع النقل المديني، من خلال إخراج السرافيس من الخطوط، ووضع وسائل نقل جماعي أكثر حضارية وفعالية في الأداء والخدمة، إضافة إلى أن وسائل النقل الجماعي تعد وسائل آمنة ومريحة للمواطن..
هل الحضارة فقط هي مجموعة التعليمات الملصقة خلف ظهر السائق؟ أما تعلق المواطنين وتدافعهم في جوف الباص الأخضر فأمر عادي؟ أهذا التعلق هو من بركات وسائل النقل الآمنة والمريحة للمواطن؟.
سيبقى المواطن علة الأزمة وسببها، وسيبقى في الوقت نفسه الذريعة لحلها، والألف باص الموعودة التي تسير على الغاز ستحمل المواصفات والوصايا نفسها، والتصريح دون تعديل.