الغلاء والفقر والبطالة في اتساع متسارع.. الشــعب السوري يريد.. إلغاء «رفع الدعم»!
يوسف البني يوسف البني

الغلاء والفقر والبطالة في اتساع متسارع.. الشــعب السوري يريد.. إلغاء «رفع الدعم»!

ارتفعت أسعار السلع والمواد الاستهلاكية والتموينية في سورية خلال السنوات الأخيرة بشكل جائر، مقارنة بمعدل تطور الأجور البطيء جداً، بما لا يجاري ضرورات استمرار قدرة المواطنين على الحصول على قوت يومهم، وانعكست آثار التضخم على واقع الحياة المعيشية اليومية للشرائح الاجتماعية الواسعة، كما انعكست السياسات الاقتصادية تراجعاً خطيراً في هذا الواقع بسبب عدم دقة الأرقام الرسمية للنمو والفقر والبطالة، وعدم إيجاد برامج تنموية تخدم وتحقق الأهداف المعلنة للخطط الخمسية التي تقرها الحكومة.

من نظرة شاملة عن الأوضاع المعيشية للغالبية العظمى من المواطنين السوريين، نرى أن ارتفاعات الأسعار المتكررة والفاحشة التي طالت بالدرجة الأولى المواد الغذائية والاستهلاكية التي تتعلق بسلة الإنفاق اليومي للمواطن، قد أدت إلى تلاشي القدرة الشرائية للأجور والرواتب، وتعمقت درجات الفقر وازدادت شرائحه ومساحاته، حتى بات السواد الأعظم من الشعب السوري غير قادرين على الحصول على حاجاتهم الأساسية من المواد الغذائية وغير الغذائية.

إن الذي أوصل المواطن السوري إلى هذه الحال هي السياسات الاقتصادية الليبرالية الهدامة التي تعمل على تطبيق معادلة تحطيم الأجور وتحرير الأسعار، ولا تتورع من الدعوة إلى سحب دور الدولة الرعائي لمواطنها، وتركه عرضة لجشع وطمع التجار وتحكمهم بالأسواق، الأمر الذي أدى حتى الآن إلى نتائج كارثية دفعت ضريبتها الشرائح الواسعة من المواطنين، ليس ذوي الدخل المحدود فقط، بل الفلاحين والحرفيين أيضاً.. وغيرهم.

المظاهر الأساسية لتراجع

مستوى المعيشة

حسب ما تشير الأرقام وانعكاساتها على أرض الواقع نجد أنه ليس هناك معدلات نمو إيجابية للوضع المعيشي، بل على العكس أخذ الوضع المعيشي للمواطن السوري يتفاقم باطِّراد مع مرور الزمن، بسبب تراجع الرعاية الاجتماعية للدولة تجاه مواطنيها، وتجلت في مظاهر خطيرة، مثل ارتفاع معدلات التضخم الذي أدى بدوره إلى ارتفاع تكاليف المعيشة اليومية وتدهورها لغالبية المواطنين، وتوسع دائرة الفساد على المستوى الاجتماعي العام، وخضوع المواطنين لتقلبات الأسعار التي يتحكم بها حفنة من التجار طمعاً وجشعاً واحتكاراً، بعيداً عن رقابة الدولة وتدخلها للحد من ذلك، فانخفضت القدرة الشرائية للمواطن نتيجة تراجع القيمة الفعلية للأجور مقارنة بارتفاعات الأسعار المتواصلة، وكان من الأسباب الرئيسية لازدياد الفجوة بين الأجور والأسعار، ارتفاع أسعار المشتقات النفطية ورفع الدعم عنها، كما عن سواها بالتدريج، الأمر الذي أدى تلقائياً إلى رفع أسعار معظم المواد الاستهلاكية والتموينية والغذائية الضرورية لاستمرار حياة الإنسان.

المعاناة على أرض الواقع

مرة أخرى وكما دأبت دائماً، قامت «قاسيون» برصد بعض النماذج من حياة المواطن السوري اليومية، وتساءلت مع البعض حول حقيقتها وكيفيتها، وفي ظل التوترات العامة في الفضاء المحيط بنا، أحجم الكثيرون عن التصريح بحقيقة ما يشعرون وما يعانون، وتردد البعض بإعطاء بعض العبارات التي تدل على غصة لم يبح بها أصحابها إلا بشكل خجول، وقلائل هم الذين شكوا لنا ما يعانون ضمن التصريحات المقتضبة التالية:

• الأستاذ أسامة ح. قال: «إن زيادات الأسعار المتتالية في السوق الداخلية وتراجع القدرة الشرائية الحقيقية أدت إلى تآكل القيمة الحقيقية والفعلية للرواتب والأجور، الأمر الذي أدى بدوره إلى مجموعة من الاختلالات والتشوهات في حياتنا المعيشية اليومية. وأصبحنا نفتقد إلى حياة العزة والكرامة التي عاشها آباؤنا وأجدادنا رغم القلة والبساطة والتعب. ومن أجل إعادة الحياة الكريمة للمواطن يجب تراجع الحكومة عن قرار رفع الدعم، ويجب استعادة الدولة لدورها الاجتماعي والرعائي في خططها الاقتصادية».

• أبو محمود الذي ينتظر في الساحة العامة مع معول ورفش في يده، ضمن حشد صغير من العمال الذين ينتظرون فرصة قدوم أحد أصحاب ورش البناء، أو مَن يحتاج إلى عمال لتحميل أو تفريغ بضائع أو حمولات السيارات الشاحنة، كان مزارعاً ضاقت عليه ظروف العمل، وارتفعت تكاليف الزراعة، ولم يعد يحصد منها سوى الخسارة والحسرة، وضنك العيش، فقال: «غدر الناس المسؤولين عن هذا البلد يتجلى في غدر الأيام التي انقلبت علينا وشردتنا من أراضينا، وأصبح حتى العيش في الحد الأدنى من مستوى المعيشة يتطلب صبراً وجهداً ورضىً بما يُقسَم لنا من رزق، وأصبح أولادي يلتحفون الحزن والحاجة خلف الأبواب المغلقة، والجدران المطبقة على معدات خاوية، ولباسٍ لم نغيره منذ سنوات طويلة، وهذا ليس عاراً ولا يُنقِص من عزيمتنا وهمتنا، لأن قناعتنا راسخة بأن الأيام لابد أن تدور عائدة علينا بالخير والفرج».

• السيدة أم هيثم فقدت زوجها ومعيل أسرتها المكونة من ثلاثة أطفال، صبي في الصف العاشر، وآخر في الصف الثامن، وبنت في الصف الخامس، قالت: «اضطُرِرت إلى تحمل تكاليف الحياة وحدي بعد وفاة زوجي، ولجأت إلى مهنة الخياطة في سبيل الحصول على مردود لقوتنا ولباسنا أنا والأولاد، ولكن الراتب في المشاغل قليل والدوام طويل، وظروف العمل غير مضمونة، فتركته، وحاولت الحصول على مبلغ لشراء ماكينة خياطة منزلية، ولكن ثمنها ليس بالأمر السهل، وجعنا، وكثرت الفواتير المكسورة علينا، فاضطررت لإخراج الولد الأكبر من المدرسة ليعمل عند ورشة تصليح سيارات، ولكن أسعار المواد غالية والمعيشة صعبة لم يستطع راتب الولد أن يكفينا، فأخرجت الولد الثاني ليساعد أخاه في العمل. نحن لا نريد مساعدة من أحد، عندي رجلان أعتمد عليهما، ولكن يجب على الحكومة أن تخفف عنا نار الأسعار ولو قليلاً، ويجب أن ترخِّص المازوت إلى ما كان عليه في السابق، فهذا هو الهمُّ الأكبر الذي يكسر الظهر».

• الموظف حسان ش. العامل في شركة من شركات القطاع العام، نموذجٌ لذوي الدخل المحدود الذين يسكنون في بيوت مستأجرة، الأمر الذي يزيد نزيف الراتب إلى أمور فوق الاحتمال، ولكنها إلزامية، مع أنها تقتص مبلغاً كبيراً خارج مخصصات المعيشة اليومية من مواد استهلاكية وتموينية. شكا لنا حسان صعوبة الحياة حتى براتبين، فقال: «زوجتي موظفة وعندي ثلاثة أولاد في المدرسة، وراتبي بعد حسم الأقساط المصرفية والجمعيات لا يتجاوز العشرة آلاف ليرة سورية، ونحاول التخفيف من المصروف بشراء الحصة الأكبر من الطعام والشراب من المؤسسة التي تبعد عنا شوطاً طويلاً، ومع ذلك نقصدها لأنها تبيع بسعر الجملة، مجموع راتبي وراتب زوجتي مع هذا الغلاء في الأسعار لا يكفينا نصف الشهر، وفي الشتاء لا يكفينا عشرة أيام، لأننا نخصص جزءاً منه للمازوت الذي ثمنه يكسر الظهر أيضاً، ونضطر كثيراً لتأجيل دفع الفواتير المنزلية من ماء وكهرباء وهاتف، التي يتزامن صدورها مع المواسم السنوية المعتادة كافتتاح المدارس والأعياد وأيام الشتاء الباردة، لما يرافقها من مصاريف إضافية لا نقدر على الوفاء بها، ما يوقعنا تحت براثن الدَّين الذي لن نخلص منه على مَر الشهور، فكل شهر نحاول وفاء دين لنقع تحت دين أكبر وأظلم».

• الأستاذ صالح س. قال: «يبدو أن المسؤولين في هذا البلد لا يعيشون ولا يحسون بالوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه أغلب المواطنين، فالأسعار نار، وكثير من المواطنين هائمون في الشوارع بلا عمل، والذي له عمل لا يكفيه الراتب عشرة أيام من الشهر، والناس تعيش في دوامة القلق والتوتر، يجب على الحكومة القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية من أجل الحفاظ على السلم الأهلي والوحدة الوطنية الداخلية وتحصين البلاد واستقرارها، يجب تأمين جميع متطلبات الحياة بما يتناسب مع قدرة المواطن الشرائية ليعيش بكرامة، يجب اتخاذ إجراءات جادة لمكافحة الفساد، ويجب دعم الفلاح والقطاع الزراعي عموماً، لاستعادة ضمان الأمن الغذائي طويل الأمد، ويجب تحسين مستوى المعيشة في الأرياف، وإيجاد مشاريع تنموية لها، لإيجاد حل لمشكلة الهجرة الداخلية في البلاد، بإيجاد برامج اقتصادية مستدامة لإنعاش وتنمية الريف السوري في كافة المحافظات».

• الأستاذ غسان ط. قال: «إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتموينية والاستهلاكية، وخاصة تحرير سعر المازوت ورفع الدعم عنه، وتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي في سورية عموماً، كل ذلك جعل حياة المواطن وتأمين لقمة عيشه صعبة للغاية، وإن تصاعد العجز في الميزانية، وشح المياه، وتقليص الإنتاج النفطي، وقصور مخصصات الإنفاق الاستثماري، وارتفاع معدلات البطالة، أدت إلى تراجع المجتمع السوري، والحياة المعيشية اليومية للمواطن لأدنى المستويات، نريد وطناً حراً كريماً، ينتفي من حياته الحرمان والجوع والفقر والبطالة والفساد والتسلط والمحسوبية، نريد أن تكون سورية لكل أبنائها، ينعمون بخيراتها بالعدل والمساواة».

هل من آذان صاغية؟

شكوى المواطن السوري من صعوبة الحياة المعيشية اليومية تصدر عنه بذل وانكسار، وقد طال الزمن والمواطنون يشكون من ارتفاع أسعار المواد التموينية والاستهلاكية والمازوت، ويطالبون بضبطها وتحديدها بما يتناسب مع القدرة الشرائية للشرائح الواسعة من مجتمعنا السوري الفقير والمُعدَم، ولم تستجب الحكومة للكثير من الشكاوى والتأوهات والغصات التي نقلتها معظم وسائل الإعلام والمنظمات الشعبية الممثِّلة لمطالب الجماهير، مثل اتحاد نقابات العمال، ومرة أخرى نتساءل: ما معنى أن لا تستجيب الحكومة لمطالب السواد الأعظم من المواطنين السوريين واتحاد نقابات العمال والكثير من وسائل الإعلام؟! هل يعني أننا أمام حكومة لا مبالية، ولن تصدر عنها قرار للتخفيف من معاناة فقراء سورية؟! فلو كانت الحكومة مهتمة حقاً بالشق الاجتماعي من سياساتها الاقتصادية لعملت على حل المشاكل المعيشية بإصلاح الخلل المزمن في دخل الأسرة السورية الذي لا يكفي لمتطلبات الحياة المعيشية اليومية الضرورية للأسرة، ولما كان هذا الاغتراب بين المواطن وحكومته، فهل هذا هو المقصود؟! هل إتباع هذه السياسات هدفه اغتراب المواطن عن وطنه ودفعه للهجرة خارج سورية؟! أم أن هناك مسؤولين في مفاصل هامة من وطننا الحبيب سورية، يسعون إلى خلق شرخ كبير بين الشعب وقيادته السياسية؟! بينما في هذه المرحلة الحرجة نحن أشد ما نكون احتياجاً لتمتين الوحدة الوطنية الداخلية واحترام كرامة المواطن، ودعمه وتعزيز إحساسه بالانتماء والفخر.