العقوبات الجامعية.. قرارات غير قابلة للطعن أو النقض أو الاستئناف!!

العقوبات الجامعية.. قرارات غير قابلة للطعن أو النقض أو الاستئناف!!

القيم الأخلاقية التي تسم المجتمعات وتمنحها خصوصيتها الحضارية، هي منظومة متكاملة، ترتقي أو تنحط حسب الظروف التاريخية التي تمر بها، وحين تتفشى الأوبئة الاجتماعية المختلفة في بلد ما وتدك وتضعضع هذه القيم، فإنها تسير بالتوازي في شتى المناحي والمجالات دون استثناء، فتطال العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والتربوية والتعليمية....إلخ، 

وتطبعها بالفساد، وتصبح هي الديدن والعرف السائد، فإن تمت معالجتها بشكل منهجي وجذري وعادل، اجتماعي واقتصادي وتشريعي، ككتلة واحدة ذات عدة تجليات، خرج المجتمع من كبوته ونجا من براثنها، وإن جرى التهاون معها أو ردع بعضها بانفعالية وعشوائية والتغافل عن بعضها الآخر، تفشت أكثر وأصبحت أكثر استعصاء وتوطّناً وممانعة.

في هذا الإطار، يشكّل الغش في مختلف المراحل التعليمية ظاهرة شاذة وخطيرة في سورية، وهي في الحقيقة انعكاس لمستوى التردي القيمي في المجتمع ككل والعلاقات الناظمة لأفراده ومؤسساته في مختلف المجالات، ولأن محاولة معالجتها بقيت مجرد سن قوانين وأنظمة داخلية كُتبت على عجل دون التبحّر في أسبابها العميقة وجذورها الاجتماعية، فإنها ازدادت بشكل مطرّد في العقود الماضية، بل أصبح الغش في الامتحانات أحد الحلول الاضطرارية التي قد يلجأ إليها الكثير من الطلاب طلباً للنجاح، نظراً لغياب المنهجية والرؤية الصحيحة والاستراتيجية الواضحة في إعداد المناهج التعليمية، وفي إعداد واختيار المدرسين الكفوئين النزيهين، وفي تعيين الجهاز الإداري، والأهم، بسبب غياب أو ضعف ما يسمى «ديمقراطية التعليم».

رشى وبيع أسئلة ومساومة على النجاح

تكمن المشكلة بأن مختلف صنوف الغش في المراحل التعليمية ما قبل الجامعية، يجري التعاطي معها بشكل رخو ومتهاون على الأغلب، مما يثبّت هذا الحل أو هذا السلوك في ذهن الطلاب بالتدريج، ولكن ما إن يتمكن بعضهم، وهم في تناقص مستمر عموماً، من الظفر بمقعد في كلية، حتى يجدوا أنفسهم أمام مستوى خطير من العقوبات الصارمة التي تؤدي إلى حرمان الكثيرين منهم من إتمام دراستهم الجامعية، أو حتى من إنجاز دراساتهم العليا، إذا ما تم ضبطهم وهم يمارسون ما اعتادوا ممارسته من قبل، أي الغش!!!

والغريب هنا، أن معظم من يضبطون الطلاب وهم يغشّون، ومعظم من يطبق عليهم لاحقاً العقوبات القاسية، هم ليسوا بمنأى عن الغش والفساد بأنواعه، من قبول رشى وبيع أسئلة ومساومة على النجاح بأشكال ابتزاز متنوعة...إلخ.. ومن المعروف أن تراجع مستوى وسمعة الجامعات السورية سببه انتشار الفساد والمحسوبيات في أركانها التعليمية والإدارية والنقابية.

ثم إن القرارات الجامعية في معظم الحالات تصدر دون تمحيص أو تدقيق،  ولا يُعطى الطلاب حقاً أو وقتاً للدفاع عن أنفسهم، أو الاعتذار عما ارتكبوه، (وقد لا يكونون قد ارتكبوه أصلاً)، ولا يتم الاهتمام أو الاستئناس جدياً بطلبات التظلُّم (يحق لكل طالب تقديم طلب تظلم واحد، لا يقرؤه أحد!!!) .وغالباً ما تقوم لجان الانضباط بحسم المسألة دون أن تعود إلى الأساتذة الجامعيين لسؤالهم واستشارتهم عن الطلبة الذين يخضعون للعقوبة. وهنا يتساوى الطالب الذي تصرف بشكل مستهتر أو مخالف للأنظمة لأول مرة، مع الطالب الذي اعتمد الغش سبيلاً طوال حياته الدراسية.

اتحاد الطلبة معنا أم علينا؟!

ثم إن اتحاد الطلبة لا دور يُذكر له في الدفاع عن الطلاب، رغم أنه المنظمة الشعبية المنوطة بها نصرة الطلاب والاهتمام بقضاياهم ورفع مطالبهم، وهذا أحد أبرز  وجوه المشكلة ومن أهم أسباب تفاقمها، وبالتالي لا بد من تشكيل أطر وهيئات جديدة تأخذ على عاتقها الدفاع عن حقوق الطلاب بشكل واقعي وجدي وملموس النتائج، وليس بشكل صوري لا يقدم ولا يؤخّر ، كما يحدث الآن مع اتحاد الطلبة الذي لا يكون حاضراً أو ممثلاً في لجان الانضباط، وإن حضر يكون حضوره شكلياً لا أكثر، أي بالعربي الفصيح «ياريته لم يحضر».

موت أو حياة!

والحال كذلك، فإن مصير ومستقبل الكثير من الطلاب يتوقف على امتحانات لا ضابط منهجياً لها كونها خاضعة غالباً لذاتية ومزاجية كل مدرّس، وعلى أسلوب مراقبة يوتّر الطالب ولا يؤمّن له الحد الأدنى من الهدوء والطمأنينة للتأمل والتفكير، وعلى قرار هيئة أو لجنة إدارية بالتبرئة أو بالإدانة في حال وجود شبهة الغش، فإن جاء الحكم ببراءة أحدهم نجا، وإن أدين فالفصل القاسي بانتظاره وليس هناك حل وسط، (كما يحدث مع طلاب الماجستير، فالقرار إما براءة وإما فصل، وعلى الأغلب إن لم يكن بشكل دائم، يكون القرار بالفصل دون ترك أية فرصة أو مجال  للطالب لكي يدافع عن نفسه! وغالبا ما يحكم ذلك المزاجية أو التسويات المختلفة أو المحسوبية.... أو غيرها!. 

ومن الجدير ذكره هنا أن جميع الجامعات بالدول المتقدمة،  لا تُنزل العقوبات الجامعية بأي طالب، وخصوصاً طلاب الماجستير، إلا بعد التحري جيداً عن ظروف وملابسات الشكوى أو الواقعة ذات الصلة، ويُؤخذ بعين الاعتبار سلوك الطالب الذي قد يتعرض للعقوبة طوال مدة دراسته في الجامعة ودراسته العليا، كما يتم الاستئناس برأي واقتراحات الأساتذة والإداريين وأحياناً زملائه أنفسهم.

أما الطامة الكبرى في بلدنا فهي أن جميع مراسيم العفو التي تصدر بين الحين والآخر، تشمل كل أنواع المخالفات والجرائم، وتخفف الأحكام حتى عن تجار المخدرات والمحكومين بالإعدام، ولكن لم يجر أنها شملت المعاقبين تعليمياً ولو مرة واحدة، كما لم يحدث أن أصدرت إدارة أو رئاسة أية جامعة عفواً واحداً عن طلاب معاقبين، فلماذا؟!.

إن العديد ممن شملتهم العقوبات الجامعية يطالبون اليوم الجهات المعنية بإعادة النظر في القرارات المتخذة بحقهم.. ويطالب الطلاب عامة بأن تكون هناك لجان فرعية في الكليات، وتكون هناك إدارات لامركزية تقوم بدورها لجان في الكليات تمارس سلطاتها، ويكون لها رأي اعتباري في القضايا التي تخصها..

في العموم فإن العقوبات هي مجرد إجراءات زجرية لا تحل سوى جزء من المشكلات القائمة، ومن السطح فقط، أما إذا ما أردنا أن نحل معظم المشكلات التي تفاقمت في مختلف المجالات والقطاعات، فالمسألة بحاجة إلى أكثر من إنزال العقوبات.. المسألة بحاجة إلى حزمة حلول اقتصادية واجتماعية وإدارية وتشريعية، يكون هدفها العدالة والتطور والنمو واحترام إرادة وحرية وكرامة الإنسان..

مطالب في غاية الأهمية

ختاماً، نرجو الأخذ بمجموعة المطالب التالية فيما يخص العقوبات الجامعية المطبقة على طلبة الجامعات السورية، وهي:

1 - تشكيل جهة دفاع نافذة للنظر في محاولة الغش ضمن لجان الانضباط يتولى أعضاؤها مهمّة الدفاع عن الطالب والأخذ بحججه والاستفادة من أي تفصيل قد يفيد الطالب مع تعريف الطالب بهؤلاء الأفراد ومنحه فرصة الاجتماع معهم كون مستقبله يمكث بين أيديهم، حيث وللأسف تتم إدانة الطالب بشكل اتوماتيكي خلال اجتماعات لجان الانضباط التنفيذيّة ولا يتولى أحد من الأعضاء مهمّة الدفاع عنه فعليا، علماً أنّ مستقبله بكامله في أيدي اللجنة.

2 - تحميل الأستاذ الجامعي مسؤوليّة الحضّ على المُثُل والنزاهة العلميّة وإثابتها قولاً وفعلاّ، بالإضافة إلى مسؤوليّته عن انتشار ظاهرة الغشّ في مُقرره كونها مؤشّراً على قدراته التعليميّة كمدرّس ومُرشِد وهي ليست مسؤوليّة يتم غض البصر عنها بسهولة.

3 - تبنّي مبدأ المحاولة والخطأ ومن ثم التقييم والتقويم وليس البتر للخطأ في تسلسل العقوبات الجامعيّة حتّى لا يغيب الهدف منها على حساب انجاز العقوبة، وبالتالي معالجة الأعراض وتطبيق العقوبة لغاية تطبيقها كون التعليم العالي مُنظّمة تعليميّة تربويّة هدفها خلق الإنسان الأفضل.

4 - تشجيع البحث العلمي موضوع أنسنة هذه العقوبات الجامعيّة ومواءمتها للبيئة العربية السورية كونها مستوردة في جانبها التنفيذي حرفيّاً، بالإضافة إلى تبنّي معطيات اختلاف ظروف البيئة والأفراد، كونها كلاً متكاملاً يتضمّن أيضاً تحميل مسؤوليّة أكبر للكليّات في نشر ثقافة النزاهة والمنافسة الشريفة، علماً أنّ العقوبات الجامعيّة المطبّقة عالميّاً تشمل مشكلات عدم الأمانة العلميّة والتعدي على الملكيّة الفكريّة فهل شملت العقوبات الجامعيّة السوريّة هذه الجوانب أم أغفلتها!؟.

5 - أخيراً نود إيصال مطلب الطلبة الذين نالتهم العقوبات الجامعيّة لهذا العام 2011-2012 في الحصول على فرصة ثانية، وذلك نظراً للظروف الراهنة التي نعيشها، من خلال «عفو رئاسي» وخاصّة لطلبة الدراسات العليا الذين تتوقف حياتهم كلها في حال تنفيذ: «عقوبة الفصل النهائي من الجامعة مع تعميم هذه العقوبة على جامعات القطر»، وهنا يحق لنا أنّ نسأل: هل تطبيق هذه العقوبة يُحقَق العدالة حقّاً بحجّة أمثَلة الدراسات العليا، وهل كانت البيئة والظروف الراهنة مثاليّة حقاً؟ ألا تعني هذه العقوبة إعدام الطالب علميّاً ورميه إلى الشارع وربما خارج الوطن!...