خصخصة القطاع التعليمي في سورية
عمر كوجري عمر كوجري

خصخصة القطاع التعليمي في سورية

بات من الواضح أن البلاد تتجه بخطوات حثيثة نحو الخصخصة التي هي بحسب متخصصين «مرحلة من سياسات التحرر الاقتصادي، تعمل على تحويل المشروعات العامة إلى مشروعات خاصة سواء في مجال الملكية أو الإدارة باستخدام العديد من الأساليب المتاحة والملائمة» على حساب جيوب الفقراء والمحتاجين في بلدنا، فبعد أن نالت الخصخصة ما نالته في قطاعات اقتصادية مؤثرة في سورية، وأدت إلى إفقار الشعب وتخسير العديد من معامل القطاع العام وخاصة الصناعي، وبالتالي إشهار إفلاس هذه المؤسسات الهامة، نرى حالياً نزوع الدولة نحو تشجيع المدارس الخاصة، وفي سورية ثمة تراخيص لمئات المدارس الخاصة والتي تفتقر الكثير منها إلى أبسط الشروط التي على أساسها تم منحها الموافقة والرخصة، فهناك بعض المدارس الخاصة لم تبن أساساً بشكل نموذجي يراعي البيئة، ناهيك عن الشروط الصحية غير المتوفرة في العديد منها مثل باحات وسيعة، وملاعب ومناشط مدرسية من مخابر حديثة ومكتبات وغيرها من الشروط الأساسية لاستكمال العملية التربوية، وتحقيق سبل إنجاحها.

مبالغ خيالية

ورغم الظروف الصعبة التي تمر بها شرائح واسعة من شعبنا السوري، قامت هذه المدارس الخاصة ولأنها تفتقر الرقابة من جميع النواحي برفع رسوم التسجيل إلى حدود خيالية، وبقفزة واحدة حلقت الأسعار والرسوم المدرسية في المدارس الخاصة من عدة آلاف إلى عشرات دون أن تخشى المساءلة من التربية التي غضت النظر عن الانتهاكات الخطيرة لموضوع الارتفاع المفرط لأسعار المدارس الخاصة، وهناك بعض المدارس وخاصة في دمشق وصل رسم تسجيلها إلى أكثر من مئتين وخمسين ألف سنوياً، هذا إضافة إلى مدارس قديمة تدرّس كامل منهاجها باللغات الأجنبية وهي مدارس  «علية القوم»

ومن اللافت أن هذه المدارس لم تخسر زبائنها بعد رفع رسومها، فالكثير من المواطنين الميسورين أو من يسمون بحديثي النعمة، اعتبروا أن هذه القفزات إنما هي دليل أن المدرسة الفلانية التي حلقت في رسومها هي مدرسة هامة، وتملك خيرة المدرسين أي أن الكثير من هذه الشرائح تحب «الفخفخة» والمظاهر الجوفاء.

 مدارس خاصة عينها على الربح

تعرف المدرسة الخاصة بالمؤسسة التربوية الربحية التي توظف رأسمالاً كبيراً في قطاع التعليم، وهذا ما يستدعي التوقف عند هدفيها التربوي والربحي، لأن الربح المالي في هذه الحالة سيكون رديفاً للعملية التربوية مع كل جيل تستقبله هذه المدارس، وبما أننا نتحدث عن أجيال يعني أننا نتحدث عن الاستثمار في قطاع مصيري، تقوم المدارس الخاصة فيه مقام صاحب المشروع الاقتصادي التربوي الاجتماعي. 

من المؤكد أن هذه المدارس همها الأساسي هو زيادة رأسمالها وهذا قد يكون حقها من وجهة نظر البعض، لكن ينبغي أن يكون ذلك في إطار نفعي بالدرجة الأولى، وخاصة في المدارس المختلطة حيث يتم التغاضي عن معظم المنافع.

اصطياد عثرات التعليم الحكومي

نجحت المدارس الخاصة في استثمار عثرات التعليم الحكومي أو الرسمي، هذه العثرات تتجمل في اعتمادها على منهاج بالٍ لا يتماشى مع الثورات والفتوحات العلمية التي تحدث كل يوم، مما خلق جيلاً كسولاً يعتمد على بصم المادة المقروءة دون تدخل من الطالب، وشجعه لسلك هذه الطريقة الببغائية طريقة الامتحانات، وسلالم التصحيح التي تعتمد على أساس أن ينقل الطالب الجواب بشكل شبه حرفي إلى ورقة الإجابة، وأي اجتهاد أو تحوير أو تغيير من الطالب يعد في الغالب خروجاً عن الجواب المطلوب كتابته كما في المنهاج.

  والأمر الآخر إهمال هذه المدارس الحكومية للأنشطة الصفية واللاصفية، والحصص الترفيهية، وقد استغلت المدارس الخاصة هذا الجانب لتشجع الطلاب للتسجيل فيها مثل رحلات إلى غابات بلادنا وزيارة آثارها وقلاعها، والترفيه عن نفوس الطلاب، وإبعاد المملل عنهم ما أمكن.

ونأتي أيضاً إلى اهتمام المدارس الخاصة الواضح بتعليم اللغات الأجنبية، وباعتبار أن هذه اللغات وخاصة الانكليزية هي جواز المرور نحو سوق العمل عند التخرج.

جودة ظاهرية ولكن؟

الكثير من المراقبين التربويين يؤكدون على جودة المدارس الخاصة للأسباب الآنفة، ولكنها ليست أفضل من العامّة لأن نتائج امتحانات طلبة التعليم الثانوي والأساسي أثبتت أن الأوائل على مستوى سورية في معظم المدارس من المدارس الرسمية. 

وبعد: يبدو أن المال الخاص بدأ يتغلغل بشكل واضح في القطاع التعليمي وخاصة في ظل الارتفاعات والتحليقات الهائلة لعلامات القبول الجامعي سنوياً، وما الجامعات الخاصة والتعليم الموازي إلا سلوكاً في هذا الاتجاه بتشجيع ولو ضمني من الحكومة!.