منازل دمشق وريفها «تشتعل».. افتراش الأرصفة والاستئجار «على العضم» والسكن المشترك
آجارات المنازل في دمشق وريفها، ارتفعت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، وذلك بعد ارتفاع سابق وصل إلى ضعف الآجارات المتعارف عليها قبل الأزمة، وكلما زاد الضغط على العاصمة والمناطق الآمنة في الريف، ازدادت الأسعار اشتعالاً، وخاصة من قلة العرض وكثرة الطلب
مازال في عمر السنتين، لا يهمه الفرق بين هذا الجدار أو ذاك، أو حتى الخيمة التي أجبر على السكن بها مع عائلته، وكل ما يعنيه حالياً ألعابه التي فقدها بمنزله في داريا، والبرد الذي ينهش جسده عند انخفاض درجات الحرارة.
«عمر»، هو أحد أبناء عائلة متوسطة الدخل، ربها يمتهن الأعمال الحرة «دهان»، والأم كانت متفرغة لأعمال المنزل، و3 إخوة أكبرهم في الصف السادس الابتدائي، ورغم صغر سنه «إلا أنه يرافق والدته التي كانت ربة منزل واضطرت للتسول مؤخراً»، بحسب ما قاله رب الأسرة.
من منزل إلى خيمة فالمجهول..
«أبو محمد»، الوالد 47 عاماً،، وبحسب حديثه لـ«قاسيون» من إحدى الخيم بمنطقة شارع الثورة التي أزيلت مؤخراً، قال «عندما خرجت من داريا بعد توتر الأوضاع هناك، أخذت أبحث عن منزل يأويني مع عائلتي، وكانت البداية في السكن عند أحد أقربائي في منطقة مساكن برزة، إلا أن ازدياد عدد الأسر التي استضافها أقربائي وبعض المشاكل العائلية دفعتني للخروج والبحث عن منزل للأجرة».
وتابع «بدايةً، وجدت منزلاً في مساكن برزة بأجرة شهرية حوالي 15 ألف ليرة بدفعة أولى لثلاثة أشهر، إلا أن صاحب المنزل رفع الأجرة فوراً بعد الأشهر الثلاثة الأولى من 15 إلى 22 ألف، وبدأت أحوالي تنحسر لتصل حد العجز بعد أن سددت المبلغ المطلوب للعقد الثاني». وأردف «قبل نهاية الأشهر الثلاثة الثانية، طلب صاحب المنزل رفع الأجرة إلى 25 ألف، عندها وجدت نفسي لا أملك حتى ربع المبلغ فقد نفدت مدخراتي وعملي متوقف وأطفالي بحاجة لنفقات يومية».
غص «أبو محمد» بدمعة وهو يقول «اضطررنا للتسول وجئنا إلى سوق الحرمية، حيث وجدنا البعض قد افترش الأرصفة والأرض ونصب خياماً بسيطة، فانضممنا إليهم وهذه حالنا منذ حوالي العام».
حديث قاسيون مع «أبو محمد»، كان عابراً منذ حوالي الشهر، وعندما بدأنا العمل على هذا التحقيق، عدنا إلى ذات المكان لنجد أن محافظة دمشق قد رحّلت كل الخيام لمكان مجهول، لينزح أبو محمد وباقي العائلات مرة جديدة إلى مكان مجهول..
أسعار الآجارات ضيّقت الخناق
قضية غلاء أسعار آجارات المنازل في دمشق، دمرت حياة الكثير من العائلات غير القادرة مادياً، وضيّقت الخناق على العائلات التي كانت ميسورة قبل الأحداث الحالية. ويقول «محمود.س»، وهو شاب من أسرة ميسورة كانت في مخيم اليرموك، إن «خروجنا من المخيم دفعنا للبحث عن سكن بديل، وكانت البداية في منزل بمنطقة كفرسوسة، وبداية كانت الأجرة 40 ألفاً، وكنا قادرين على دفع المبلغ كوننا بحالة ميسورة، ونظراً للوعود المقطوعة بعودة المخيم، استأجرنا المنزل 6 أشهر، وبعدها 3 أشهر أخرى، وعندما تأزمت الأوضاع مجدداً هناك وجد المؤجر أننا قد نستمر في الآجار فقام برفع الأجرة إلى 50 ألف ليرة».
وأردف «لذلك اضطررنا لنقل السكن إلى منطقة ركن الدين، في وقت خسرنا به كل مدخراتنا على الآجار، وحتى في تلك المنطقة لا يقبل أصحاب المنازل إجراء عقود لأكثر من 6 أشهر وكأنها اشارة لاحتمال رفع الآجار لاحقاً».
أجرة «على العظم»!
أحد سكان منطقة جرمانا بريف دمشق، يقطن في قبو بأجرة 6 آلاف ليرة سورية شهرياً، وقال مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، إن «صاحب القبو وبعد ازدياد عدد المهجرين في المنطقة رفع الأجرة لـ 12 ألف ل.س، وهو ما لا أستطيع دفعه حالياً كون مدخولي لا يتعدى الـ20 ألف ليرة ولدي طفلان».
وتابع «كنت قد بعت منزلي في جرمانا منذ 4 سنوات كي استطيع شراء سيارة لأعمل عليها، ودفعت ثمن شقة غير مكسوة حتى اليوم، وحالياً عرضتها للإيجار لمن يريد بـ10 آلاف»، مشيراً إلى أنه في جرمانا أكثر من شقة تم تأجيرها وهي غير مكسوة.
عدم القدرة على دفع مبلغ الإيجار، أجبر البعض لاستئجار الشقق غير المكسوة «على العظم». وبحسب أحد سكان منطقة صحنايا، فإن عدداً لا بأس به من المنازل «على العظم» مؤجرة للعائلات النازحة وبأجرة لا تقل عن 15 ألف ل.س.
كما أن هناك بعض الأسر التي استطاعت التغلب على ارتفاع الآجارات عبر السكن في الشقة الواحدة مع أكثر من أسرة نازحة، لتوزيع تحمّل الأجرة المرتفعة من جهة، ولعدم القدرة على إيجاد شقة للإيجار بعض الأحيان.
غياب القانون والتسعيرة المحررة
ويعود سبب الفلتان في أسعار الإيجار إلى ثغرة قانونية أو ما وصفه البعض بـ «تقصير تشريعي»، وهو عدم وجود نص يلزم مالك العقار المؤجر بالتقيد بتسعيرة أو تعرفة محددة بضوابط محددة مثل مكان المنزل ومساحته وما إلى ذلك من أمور، بل يترك ذلك لاستغلال أصحاب العقارات، وبعدها يوثق هذا الاستغلال بعقد لدى المحافظة يحفظ حقوق المستغِل.
وبدوره، أكد مصدر في محافظة دمشق لـ «قاسيون» أنه تم تشكيل لجنة بالاتفاق مع وزارة العدل وممثلين عن الإدارة المحلية ووزارة المالية ونقابة المحامين للنظر بقوانين الإيجار، مشيراً إلى أن «قانون الإيجار في سورية يقوم فقط بتنظيم العلاقة بين المؤجِّر والمستأجر وفقاً لعقد مكتوب بين الطرفين، ومن غير الممكن تحديد الحد الأدنى لأسعار الإيجارات أو وضع ضوابط للحد من ارتفاع أسعارها أو حتى وضع تسعيرة موحدة».
هذه هي الأسباب!
وبحسب ما قاله رئيس «قسم الإيجار» في محافظة دمشق محمد عقيد في تصريح له، فإن هناك عدة عوامل لا تساعد على ضبط أسعار إيجارات الشقق السكنية وهي:
1- موقع العقار، أي أنه لا يمكن تحديد سعر منزل للإيجار في قلب دمشق يقع بمنطقة «أبو رمانة» مثلاً بذات التسعيرة لمنزل يقع في منطقة «القابون»، بهذه العملية سوف يظلم طرف من الأطراف.
2- مساحة العقار.
3- أما السبب الثالث، فهو الوضع القانوني للعقار، فإن كان نظامياً لا يمكن تأجيره بنفس سعر المخالفات»، منوهاً إلى أن «كل هذه الأسباب يجب أن توضع بعين الاعتبار عند التسعير».
ومن جهته، قال الخبير العقاري عمار يوسف لـ «قاسيون» إنه «لا يوجد قانون سوري يحكم على تحديد أسعار الإيجارات في سورية» مشيراً إلى أن «سبب ارتفاع أسعار الإيجارات هو انقسام المناطق إلى آمنة وغير آمنة، وتزايد حالات النزوح، ما دفع أصحاب المكاتب العقارية وأصحاب المنازل لاستغلال الوضع».
طرطوس الأولى ودمشق الأخيرة!
وأردف يوسف «إن طرطوس تأوي أكبر عدد من النازحين مقارنة بباقي المحافظات السورية، وعلى هذا تضاعفت أسعار الإيجارات فيها حوالي 6 مرات (من 5 آلاف ليرة إلى 25- 30 ألف ليرة)، في حين تضاعفت الإيجارات في اللاذقية 4 مرات (من 10- 12 ألف إلى 45 و50 ألف)، وبعدها السويداء التي تضاعفت أسعارها 3 مرات رغم أنها لم تكن تعرف ثقافة الإيجار سابقاً على هذا النحو، حيث ارتفعت الأسعار من 7- 8 آلاف إلى 25 ألف».
ورغم ما لمسه الكثيرون من ارتفاع لأسعار إيجارات العقارات بدمشق، إلا أنها كانت المحافظة الأقل تضاعفاً بالأسعار، فقد تضاعفت أسعارها مرتين فقط من 20ــ 25 إلى 50ــ 60 ألف.
هنا يكمن الخلل..
ويتبيّن من قوانين إيجار العقارات الصادرة والمعدلة في سورية، وجود خلل رافقها منذ البداية، حيث نص المرسوم التشريعي رقم 11 تاريخ 11/2/1952 لتحديد أجور العقارات وفق النسب الآتية:
- 5% قيمة العقارات المعدة للسكن.
- 6% من قيمة العقارات المؤجرة للدولة أو البلديات أو النقابات أو الجمعيات أو مزاولة مهنة حرة.
- 7% من قيمة العقارات المؤجرة للحكومة أو التجاري أو الصناعي.
- 8% من قيمة العقارات المؤجرة مدارس.
واستقرت العلاقة بين المستأجر والمؤجر وفق هذا القانون أكثر من عشر سنوات إلى أن صدر المرسوم التشريعي رقم 24 تاريخ 25/1/1956 بتخفيض بدلات الإيجار بنسبة 25%، بعدها صدر المرسوم التشريعي رقم 13 تاريخ 4/2/1971 بأنه لا يجوز أن تكون قيمة الإيجار بعد التنزيلات المشار إليها أعلاه أقل من التخمين المالي علماً أن التخمين المالي في سورية أقل بكثير من القيمة الحقيقية للإيجارات.
بعدها، صدر القانون رقم 6 تاريخ 5/2/2001 القاضي بإخضاع تأجير معظم العقارات في سورية لإرادة المتعاقدين وتبقى العقارات المؤجرة في ظل أحكام المرسوم التشريعي رقم 11 لعام 1952 خاضعة إلى أحكام التمديد الحكمي وتحديد بدل الإيجارات وفتح القانون المذكور طلب إنهاء العلاقة الإيجارية واسترداد العقار المأجور مقابل تعويض يتقاضاه المستأجر مقداره 40% من قيمة البناء المأجور.
ومن ثم صدر عام 2006 القانون رقم 10، وتضمنت المادة الأولى منه تعديل المادة الأولى من القانون /6/ تاريخ 15/2/2001 حيث أضيفت إلى العقارات التي تخضع لإرادة المتعاقدين العقارات المعدة لممارسة أعمال تجارية أو صناعية أو حرفية أو مهنة حرة أو علمية منظمة قانوناً.