السوريّات في مهب الأزمة نازحات ولاجئات ومخطوفات ومعتقلات وأرامل..
تركت الأزمة آثاراً اجتماعية ونفسية على جميع شرائح المجتمع السوري، ومن الطبيعي في ظرف كالظرف السوري وفي ظل الثقافة السائدة ونمط القيم والعادات السائدة، أن تتحمل المرأة السورية عبئاً مركباً..
حيث تغيّرت حياة السوريات بعد أن تم زج اسمهن في جميع الملفات سواء كانت إنسانية أو غيره من الملفات المختلفة، فصرن نازحات ولاجئات وزوجات وبنات ومخطوفات ومعتقلات وأمهات شهداء يهززن النعوش لعل هذه الهزات توقظ من في النعش بات، أحلامهن وحقوقهن وحياتهن باتت كلها مؤجلة ولم يعد يملكن سوى أصوات مجروحة وبضع ذكريات مدماة ودموع.
حال المرأة في سورية تصدر في السنوات الثلاث مرات كثيرة عناوين الصحف والشاشات العربية والعالمية، حيث صنف تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي سورية في المراتب الأخيرة على مستوى تمكين المرأة بفعل الأزمة التي تركت آثاراً قاسية في موضوع تمكين المرأة، وذلك بعد اتساع فجوة الجندر التي يعرف عنها بأنها ظاهرة عدم المساواة بين المرأة والرجل إلى درجة كبيرة بالرغم من محاولات سورية للعمل على ردم هذه الفجوة وظهور هذا المفهوم كأحد مؤشرات تنافسيتها وتقدمها في مجال العدالة الاجتماعية التي عرفت بها سورية على مر السنوات الماضية.
فجوة «الجندر» والمركز 132
وكشف التقرير الدولي عن أن سورية تراجعت إلى المركز 132 من بين 135 دولة سبرها التقرير خلال العام الماضي لجهة اتساع فجوة الجندر، كما تراجع مركزها في المؤشرات الفرعية ومنها مؤشر الفرص والمشاركة في الاقتصاد وهي نتيجة طبيعية لظرف الأزمة الطارئة.
يبدأ نهار «رانيا»، مدرسة للغة العربية، قبل شروق الشمس، فهي تستيقظ باكراً لتحضر الخبز وحاجيات المنزل وتعود وتجهز أطفالها للذهاب إلى المدرسة، وتعود مساءً لتعطي الدروس الخصوصية بعد الدوام في المنزل. وفقدت «رانيا» منزلها ونزحت عن منطقتها وخطف زوجها الذي كان يعمل سائقاً على سيارة أجرة لتصبح وحيدة وعليها أن تتحمل وحدها مسؤولية استتئجار منزل وتربية أطفالها الثلاثة وتأمينهم، تقول رانيا «عدت إلى دمشق وأقمت مع أهلي ونزحت معهم إلى أكثر من مكان، لكن والدي لم يعد يستطع البقاء في هذه الظروف الصعبة لذلك قرر أهلي السفر إلى لبنان وأنا لم أستطع الخروج معهم لأنه يتوجب علي أن أحضر موافقة الزوج لخروج الأولاد وهذا أمر مستحيل. خرج أهلي وبقيت وحيدة في دمشق أتنقل مع أبنائي من مكان آمن إلى آخر، ولا أدري إلى متى ستستمر هذه المعاناة. أحياناً كثيرة أصل حد اليأس وأتمنى أن أموت أنا وأبنائي كي لا يعيش أحد منا هذا العذاب اليومي الذي نعيشه».
جدة وأم وأب..
في حين تفترش «أم عبدو» الرصيف مع خمسة أطفال يبلغ أكبر طفل بينهم الثانية عشرة من العمر، تضع «أم عبدو» أمامها عدداً من علب البسكويت والقداحات علها تبيع شيئاً منها، تقول السيدة التي تجاوزت السبعين من عمرها «تهدم منزلنا وتوفيت زوجة ابني داخل المنزل ونزحنا إلى حي آخر في حلب وهناك توفي ابني نتيجة رصاص قناص وبقيت أنا وهؤلاء الأولاد على قيد الحياة، تنقلنا كثيراً إلى أن وصلنا إلى دمشق على أمل أن أجد مأوى جيد لنا لكن دون فائدة، وحالياً نبيت في خيمة في إحدى الحدائق وعند تساقط المطر يفتح أحد المساجد أبوابه لنمضي الليل داخله، ونحن على هذا الحال منذ أكثر من سنة نعيش على مساعدة الناس لنا وعلى بيعنا لأشياء بسيطة، لكن هؤلاء الأطفال بحاجة إلى أن يتعلموا ويكبروا حاولت اللجوء إلى دور الأيتام لأضعهم فيه لكن الجميع اعتذر بحجة أنه لا يوجد لهم مكان وأنا أخشى أن أتوفى ويتشردوا دون أن يعلم عنهم أحد».
فقر وذل وابتزاز
تناوب «ليلى»، وهي ممرضة تبلغ من العمر 28 سنة، في إحدى المشافي الحكومية بعد أن خضعت لدورة تدريبية بالتمريض. وتقول «ليلى»، وهي المسؤولة عن ثلاثة أطفال ووالدي زوجها بعد استشهاده، «بعد استشهاد زوجي حصلنا على مبلغ من المال كتعويض لنا وفرصة عمل لشخص واحد من أفراد الأسرة، مبلغ التعويض لم يكف سوى لبضعة أشهر والراتب التقاعدي لا يسد حاجة العائلة لذلك تقدمت إلى هذه الوظيفة وفعلاً حصلت على الوظيفة وفق عقد يجدد كل ثلاثة أشهر، وهنا المشكلة فكلما احتجت إلى تجديد العقد أتعرض للابتزاز من أحد الموظفين الكبار، وإذا فكرت بتقديم شكوى يقول المدير هناك العشرات من الناس يريدون وظيفتك هذه، وأنا لا أملك دخلاً سوى الراتب التقاعدي وراتبي هذا، وإذا تركت وظيفتي سوف أجوع أنا وعائلتي بعد أن قدم زوجي روحه كي يحمي هذا البلد».
مشاريع صغيرة..
«ملك وأمل وإسراء» يجتمعن مع عدد من النسوة في شقة صغيرة تعود ملكيتها لسوري ترك منزله وسافر خارج البلد. معظم النساء اللواتي يحضرن إلى هذا المنزل هن غير متعلمات أو لم يكملن تعليمهن والعدد الكبير منهن كن يعملن في أراضيهن إلى جانب أزواجهن ولكن الحرب الدائرة حولتهن إلى أرامل بعمر الورد، تبلغ أكبرهن السادسة والثلاثين من العمر.
تحدثت «أمل» عن المشروع الصغير الذي قمن به مؤخراً وعن المشكلات والمضايقات التي ترافقه، قائلة «تقوم فكرة المشروع على عمل أكثر من عشرين سيدة، تأتي كل يوم عشر سيدات منهن إلى مقر العمل الذي يقوم على تجهيز الخضار لبعض المطاعم والمحال التجارية إلى جانب حياكة الصوف وأعمال الصنارة»، وتابعت حديثها «المردود المادي لهذه الأعمال هو مردود بسيط لكنه يساعد نوعاً ما في تأمين جزء بسيط من حاجة هؤلاء النسوة إضافة إلى محاولة إخراج النسوة من الحالة النفسية الصعبة التي يعشنها بعد أن فقدن أزواجهن وتغيّرت حياتهن، والتأكيد لهن أن الحياة مستمرة وعليهن الاعتماد على أنفسهن في الأوضاع الصعبة التي نعيشها، خاصة في ظل شح المساعدات المقدمة لهنّ وغياب دور المنظمات الأهلية والإنسانية التي من المفروض أن تمد لهن يد المساعدة». وأضافت «أنه حتى هذه الأعمال البسيطة التي نقوم بها لا تخلو من الخطورة، كما أننا نتعرض لمضايقات من بعض اللجان الأمنية هنا أوهناك».
لاجئات وسبايا وخادمات في المنازل!
لم يكن حال من خرجن إلى خارج الحدود أفضل من حال من بقين. المتاجرة بالملف الإنساني وخاصة ما يتعلق بالشرف كان لا يغيب عن الكثير من النشرات الإخبارية حتى يعود مع قصص فردية لسوريات عانين القتل والتشرد واللجوء وأخيراً التحرش الجنسي والزواج بقصد السترة.
هذه القصص تشابهت من حيث الشكل وإن اختلف مكان وزمان وقوعها، فاللاجئات السوريات في الأردن ولبنان ومصر عانين على حد السواء من نفس الظروف الإنسانية الصعبة وتعرضن للمعاناة ذاتها ليكتفي الجميع بالتنديد دون فرض عقوبات رادعة في وجه من تاجر بالسوريات، حيث أعلن المجلس القومي للمرأة في مصر، أن 12 ألف حالة زواج تمت خلال عام واحد بين لاجئات سوريات ومصريين، معتبراً أن تلك الزيجات تمثِّل حالات اتجار بالبشر.
وقال المجلس في بيان له «إن عدد الزيجات بين لاجئات سوريات وشباب مصري بلغ 12 ألف حالة زواج خلال عام واحد»، مجدِّداً إدانته ورفضه الشديدين لظاهرة زواج اللاجئات السوريات من المصريين.
زواج الشاب المصري من الفتاة السورية كان مقابل مهر زهيد لا يتجاوز الـ500 جنيه مصري، وفي معظم الأحيان كان يتم وسط غياب ضمانات تضمن للسوريات حياة كريمة أو مستقبلاً جيداً.
الحال في الأردن لم يختلف كثيراً حيث تزوجت الفتاة السورية بشكل هو أقرب إلى البيع منه إلى الزواج، ولم يتردد الأردنيون بنشر إعلانات يطلبون فيها سوريات للخدمة في المنازل.
النازحات السوريات في لبنان
وفي لبنان الشقيق غابت قصص الفتيات السوريات بين حقول التبغ ومشاريع البطاطا، حيث تعمل السوريات في هذه المشاريع وحالهن هو ذاته حال شقيقاتهن في مصر ومخيمات الأردن وتركيا. حيث أفادت منظمة حقوقية في أحد تقاريرها، أن النازحات السوريات في لبنان، يتعرضن للتحرش الجنسي أو محاولة استغلالهن جنسياً من جانب أصحاب العمل، مالكي المساكن، موزعي المساعدات من الجمعيات ذات الطابع الديني، وأفراد من المجتمعات المحلية في كل مناطق تواجدهن (بيروت والبقاع وشمال وجنوب لبنان).
وأوضح التقرير، أن تلك النتائج برزت بعد مقابلات فردية أجريت مع 12 نازحة من سورية، في الفترة الممتدة بين آب وأيلول 2013، جميعهن مسجلات لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مشيراً إلى أن أي من تلك النساء أو الفتيات لم يبلغن السلطات المحلية بتلك الوقائع، نظراً إلى غياب ثقتهنّ في استعداد السلطات لاتخاذ إجراءات، وكذلك خشية من ردة فعل انتقامية من جانب الجناة أو خشية من القبض عليهنّ بسبب عدم حيازتهن أوراقاً قانونية.