حـلـب بـين التجويع والحصار

حـلـب بـين التجويع والحصار

يوماً بعد يوم تزداد وتتدهور الأمور في مدينة حلب لدرجة لا تحتمل بدءاً من الرغيف وانتهاءً بالرغيف، فمنذ مطلع شهر تموز تتداول الإذاعات والمحطات التابعة لمختلف الأطراف عن معركة حلب الكبرى

التي لم نكن نعلم أنها ستتمثل في قطع شريان تغذية مدنة حلب و نهب وسرقة وحرق وخراب ما تبقى من مقومات الحياة من سلع ومواد غذائية ومحروقات اللازمة لدورة الحياة الكاملة لأكثر من مليوني مواطن رازحين تحت وطأة الحصار.

 وهي التي كانت المصدر الرئيسي لكل مقومات الحياة الإنتاجية والصناعية  والعاصمة الاقتصادية، أصبحت الآن محرومة من إنتاجها الذي سُرق وبيع في الأسواق المجاورة إلى درجة أنها اصبحت تستجدي عطف التجار الذين كانوا سبباً في هذه الأزمة بالتعاون مع بعض المتنفذين في المدينة باستنزافهم للمواد الموجودة بعيداً عن الخطط الموضوعية لتأمين متطلبات الفترة القادمة من أجل مواجهة هذا الحصار الجائر والحرب الظالمة، التي بدأت فصولها بأزمة الخبز وعملية البحث عنه التي تتطلب من المواطن الحلبي الوقت والجهد الكثير بحيث أصبح متوسط مصروف العائلة الحلبية المتوسطة ( مؤلفة من 5 أفراد ) أكثر من 2000 ليرة يومياً.
في بداية الأزمة لعبت اللجان الشعبية دوراً لا يليق بوظيفتها والمسؤولية الافتراضية الملقاة على عاتقها، حيث قامت بممارسات غير مسؤولة في الأفران بحيث تأخذ حصتها وتسيطر على حصة المواطن من الخبز، الأمر الذي أدى ونتيجة لهذه التصرفات «المليشياوية» التي أرهبت المواطنين على الأفران إلى ذهاب العديد من الضحايا واستحالة حصول غالبية العوائل الحلبية على الخبز، وبلغ الخناق أوجه حين تعامل تجار الأزمة بحلب مع مسألة الحصار من منطلق ربحي فاحش بعيداً عن مراعاة معاناة الأهالي أو القيم أو الأخلاق الإنسانية، حيث قاموا بعملية احتكار المواد الأساسية وأضافوا الربح بمتتالية هندسية إلى أن أصبحت ترتفع الأسعار دون أي عملية تبادل ولا علاقة لها بمسألة الليرة والدولار وسمعنا كثيراً منهم يقولون «اترك بضاعتك بمكانها واقعد ببيتك بيجيك الربح مضاعف»،
وهنا المواطن يسأل: أين الدولة وجهازها في حلب، لماذا لا تقوم بدورها الوظيفي الاجتماعي، لماذا لا تقوم بدور احتكاري لتستطيع مواجهة المجاعة والأزمة بحيث تقوم بإيصال المواد الأساسية اللازمة لسد الرمق إلى المواطن، أين المسؤولون في حلب؟
أهالي حلب يريدون أن يعرفوا من الذي يتحمل مسؤولية ما يجري، من المسؤول الأساسي عن إدارة هذه الأزمة ووضعها الحالي ليكون الأهالي على معرفة بالواقع الحقيقي، لماذا لا يتم تفعيل وتنشيط القوى الموجودة في المجتمع التقليدية منها والسياسية والنقابية والشعبية إذا كان هنالك عجز في قطاع معين في جهاز الدولة.
ويكمل المواطن متسائلاً لماذا أصبحنا في وضع عاجز لا حول لنا ولا قوة، لماذا نذل وتهان الكرامة بشكل يومي فالمواد مفقودة وأسعار المواصلات والبضائع القليلة المتبقية في حالة صعود دائم دون رادع أو ضابط؟
إن المسؤولين في حلب والقائمين على جهاز الدولة مدانون بكل الأحوال لأنه يوجد حلول بديلة وإسعافية يستطيعون القيام بها للحد من معاناة المواطن ولكن بعيداً عن الفساد وآلياته.
الآن وليس غداً نطالب باسم أهالي حلب المسؤولين في حلب وكل القوى الفاعلة والأهالي أن تعمل بشكل كامل متكامل لرفع الحصار الجائر، وإن لم يكن فليتم إدارة الأزمة بأفضل حالة وشكل ممكن، فعلى الدولة أن تضع يدها مباشرة وبشكل كامل على المخازن الخاصة والعامة الممتلئة بالمواد الضرورية التموينية منها والغذائية وأن تقوم بتوزيعها توزيعاً عادلاً على المواطنين لتخفيف معاناتهم وآلامهم المعيشية.
وعلى المقلب الآخر في الشطر الثاني من المدينة هناك مفارقات كبيرة فالمواد الغذائية منخفضة نسبياً، ولكن وكما يقال في المثل الشعبي «الجمل بعثماني.. وعثماني ما في»، رغم الرخص النسبي فإن المواطن لا يملك ثمن قوت يومه لأنه لا عمل ولا أمان فالمزاج العام يقول كفانا جرحاً ونزفاً وعبثاً بكرامة المواطن وحقه في الحياة والعيش.