في مأساة مخيم اليرموك بدمشق .. أطفال سيأكلون العشب ومسنون يصارعون الموت تحت الحصار
«نعيش على ما تبقى من الفتات، نلف سجائرنا من ورق الخبيّزة، لم نر الخبز ولا فتاته منذ الخامس من رمضان الماضي، حليب الأطفال مفقود، المسنون يعانون أمراضاَ خطيرة دون عناية، ونحن مهددون بكارثة إنسانية خلال أقل من ثلاثة أسابيع، فموارد غذائنا نضبت، وكل ما ادخرناه سينفد قريباً»...
بهذه الكلمات افتتح أحد سكان مخيم اليرموك بدمشق حديثه مفضلاً عدم الكشف عن اسمه الحقيقي، عبر اتصال هاتفي معه ومع عائلته، استطاعت «قاسيون» الحصول عليه بعد معاناة كبيرة نتيجة تضرر شبكات الاتصال الثابتة، وانقطاع الخليوية منها منذ أكثر من 4 أشهر.
تحدث هذا الشخص بلسان أغلب من تبقى في مخيم اليرموك من مدنيين في ظل حالة «الحصار» المفروضة، في محاولة لإرضاخ الجماعات المسلحة، إلا أن هذا «الحصار» بات يهدد حياة المدنيين في الداخل بعد أن تفاقم واشتد بحسب ما قال، مشيراً إلى أنه «لم يعد هناك مسلحون في المخيم منذ قرابة الشهر نتيجة تفاقم الأوضاع المعيشية في الداخل»، مؤكداً أن «أغلب المسلحين قد انسحبوا من هناك ومن بقي منهم سيخرج حتماً إن عاد الأهالي لديارهم بعد تحسين الأوضاع المعيشية».
فضل أن ننشر ما يرويه لنا باسم «أبو علي»، وهو ذاته الشخص الذي تحدث إلى «قاسيون» سابقاً عن «حي الأزمة» الذي استطاع الصمود في ظل «الحصار» وانتشار المسلحين في المخيم لمدة أشهر، عبر أدوات من صناعة يدوية ووسائل مبتكرة أتاحت لهم العيش ضمن أضيق السبل.
حي الأزمة أكثر تأزماً
«حي الأزمة» ذاته، أكثر من تأزم اليوم، وأوضاع المخيم بشكل عام بدأت بالتدهور على منحى «حرج»، وكل محاولات الأهالي بالتكيف مع الظروف الراهنة، وتطلعاتهم إلى الحياة رغم كل ما يجري، اصطدمت بجدار الحصار «الخانق» كما وصفه «أبو علي»، الذي «لم يعد له مبرر اليوم» على حد قوله.
بداية الحصار لم تكن كما يعيشه المخيم اليوم، على حد تعبير أحد أبناء «أبو علي»، والذي قال إن «المخيم محاصر منذ شهر كانون الأول عام 2012، حيث كان حاجز اللجان الشعبية المتواجد في مدخل المخيم يمنع إدخال أية أطعمة أو مواد غذائية بكميات كبيرة، وكل ما كان مسموحاً به هو ربطة واحدة من الخبز، وكيلوغرام واحد من أي صنف غذائي».
و«منذ حوالي الـ75 يوماً حوصر الحصار، ومُنع إدخال أي صنف غذائي مهما كان نوعه، وفي الخامس من رمضان، مُنع الدخول والخروج من و إلى مخيم اليرموك نهائياً وهنا بدأت الكارثة» كما قال الابن وأكده «أبو علي» الذي تابع حديثه «حاولنا صنع الخبز من العدس وفول الصويا، والشعير، والأرز، إلا أن المخازين نضبت ولم يعد بمقدورنا صنع أي شيء، أو شراء أية مادة للطعام».
كارثة إنسانية
وأضاف إن «أسعار المواد الغذائية إن وجدت، تفوق الخيال، فكيلو التبغ الواحد وصل سعره إلى 17 ألف ليرة سورية، وعلبة السجائر الصناعة الوطنية 1500 ل.س، وأرز المؤسسة الاستهلاكية بـ600 ليرة، والكوسا غير الصالحة للأكل تباع بـ200 ليرة».
وتابع «الشاي مفقود بشكل نهائي، والسكر نادر جداً، وإن وجد يباع الكيلو الواحد بـ1100 ليرة، مع العلم أن أطفال المخيم اليوم بأمس الحاجة إلى السكر، حيث فقد كل طفل منهم خلال الحصار من 6 إلى 10 كليوغرامات على الأقل من وزنه، فأطفالنا يعيشون حالياً على كميات قليلة من الأرز والبرغل إن توفرت فقط، ولا يوجد أي تنوع غذائي».
وحذر أبو علي من أن «العشرين يوماً القادمة تحمل في طياتها كارثة إنسانية في المخيم، وقد يضطر السكان حينها إلى أكل أوراق الشجر، والأطفال والمسنون سيبدؤون صراعهم مع الموت خاصة من يعاني الأمراض منهم»
وأردف إنه «هناك مرضى فشل كلوي ومرضى سرطان، مصيرهم الموت القريب إن لم تتوفر لهم الرعاية اللازمة، وقد توفي بعضهم خلال فترة الحصار الأخيرة لعدم تلقيهم العلاج».
استشهاد آخر طبيب جراح
«لا يوجد في المخيم حالياً ولا طبيب جراح، فقد استشهد آخر طبيب منذ فترة، ولا يوجد حالياً سوى ممرضين يقومان بالعمليات الجراحية البسيطة وهما ممرضان امتهنا الجراحة خلال الأزمة» بحسب أبو علي الذي أضاف إن «مشفى فلسطين ومشفى الباسل هما الوحيدان حالياً في المخيم بإمكانيات بسيطة جداً».
وأردف «انتشرت مؤخراً أنواع غريبة وكثيرة من الحشرات نتيجة تراكم القمامة، عدا عن انتشار أعراض السخونة والمغض والتحسس لدى الكثيرين نتيجة الأغذية الفاسدة وسوء الرعاية الصحية».
وحذر من «فقدان مخزون المازوت في مخيم اليرموك قريباً، ما قد ينذر بتوقف المولدات عن العمل قبل حلول فصل الشتاء، وحرمان المواطنين من الكهرباء نهائياً، في حين انتهى مخزون الحطب باكراً».
نكبة المخيم .. الأطفال سيأكلون العشب
ورغم سوء الأحوال، إلا أن السكان داخل المخيم مازالوا يصارعون البقاء حتى النفس الأخير بحسب أبو علي، الذي قال إن «طلاب المدارس وُزعوا على جامع فلسطين ومدرسة الجرمق والأحلام الواعدة ومدرسة الأزمة، إلا أن وضعهم يرثى له، فهناك حوالي 500 طالب ثانوي في جامع الوسيم يكتبون على السجاد لعدم توفر الأوراق، و1550 طفلاً من الأول إلى التاسع في مدرسة الجرمق، منهم 110 أطفال غير مسجلين في الصف الأول بعد لدى وزارة التربية أو وكالة الغوث، وفي الأحلام الواعدة حوالي 170 طفلاً غير مسجل أيضاً».
وطالب «أبو علي» باسم أهالي مخيم اليرموك المدنيين، اعتبار مخيم اليرموك «منطقة منكوبة»، وتقديم الحلول الإسعافية له سريعاً، مؤكداً وجود عدة محاولات سابقة لإيصال صوتهم للحكومة السورية دون جدوى.
وأرسل أبو علي رسالة «استغاثة» عبر صحيفة «قاسيون» آملاً أن تصل المعنيين، مفادها أنه «أقل ما يمكن فعله حالياً هو إنقاذ الأطفال والمسنين من الكارثة المحتملة، ونحن مستعدون للتعاون مع أي جهة اغاثية لوضع الأطفال في منطقة آمنة كأقل تقدير، ليتم أخذهم من المخيم إلى أماكن توجد بها الرعاية اللازمة والطعام اللازم لهم وإلا ستحل كارثة كبيرة قريباً، وقد نرى أطفالنا يأكلون الأعشاب أمام أعيننا».؟
إذا كانت مفهومة محاولات منع الجماعات المسلحة من استغلال المخيم لإحداث اختراقات عسكرية، إلا إن هذا العقاب الجماعي من قبل الجهات الرسمية لأبناء المخيم بالتأكيد ليس هو الحل المطلوب، وبات من الملحّ القيام باجراءت سريعة وعقلانية لا لإنقاذ ما تبقى من أبناء المخيم فقط بل لإعادة أبنائه المهجرين إليه، لاسيما إن إفراغ مثل هذا المخيم من أبنائه ينطوي على دلالات سياسية خطيرة.