خيال لا ينفي بؤس الواقع
تابعت عبر بعض وسائل الإعلام حديثاً مطولاً للمدير التنفيذي لشركة دمشق الشام القابضة، عن الشركة وتأسيسها، وعن باكورة أعمالها المتمثل بمشروع مدينة «ماروتا سيتي».
غرقت بالتفاصيل الواردة في الحديث عن المدينة المزمعة، كما سرح بي الخيال وأنا أقرأ وصف المدينة «المشروع»، بأبراجها ومساكنها الفاخرة ومتاجرها وأسواقها وفنادقها ومطاعمها ومقاهيها ومصارفها وخدماتها وحدائقها وملاعبها.
الحديث الإعلامي كان عبارة عن صورة مشهدية جميلة، نقلني معها إلى أدق التفاصيل المعززة بالأرقام والمعطيات، فتخيلت تلك الأبنية الشاهقة ذات الرفاهية العالية المحاطة بفسحات الحدائق الواسعة التي تمر عبرها ممرات المشاة ومسارات الدراجات الهوائية والمساحات المائية والنوافير، وخطوط الباصات وشبكة الترام الكهربائي، وغيرها من تفاصيل الصورة المنقولة كتابة، مداعبة للأحلام مستنفرة للمشاعر.
انتهيت من القراءة، وانتهت معها تلك الصورة المتخلية الجميلة، لأغرق بتفاصيل الواقع مجدداً، فكل هذا الوصف الدقيق والبديع ما هو إلا صورة ورقية حتى الآن.
فالشركة تم تأسيسها من أجل إدارة واستثمار أملاك وخدمات محافظة دمشق، والباكورة في عملها "المشروع" الذي تمت تسميته "ماروتا سيتي" لاحقاً، هو نفسه مشروع خلف الرازي الذي أعلن عنه منذ عام 2012، والذي سوق بأنه مشروع تنظيمي لمصلحة سكان المنطقة وآهليها بما يؤمن لهم السكن الصحي المناسب ويضمن استقرارهم ومستقبلهم، وما نفذ من كل هذا الوصف البديع السابق هو أن المنطقة أخليت من سكانها وآهليها، الذين تقطعت بهم السبل وهم يبحثون عن سكنهم البديل الموعود، كما عن مستقبلهم واستقرارهم، وقد تم استغلال ملكياتهم تناهباً من قبل كبار التجار والسماسرة والفاسدين، إلا من رحم ربي، وذلك بسبب تأخير التنفيذ والمماطلة فيه، وكل مرة بذريعة وسبب، ليصبح بالنتيجة مشروعاً استثمارياً لكبار التجار والسماسرة، مستقطباً لشريحة الأغنياء والمترفين، على حساب سكان المنطقة الأصليين، بإشراف ورعاية الحكومة والمحافظة، لكن ذلك لم يكن بين ليلة وضحاها، بل بين تأخير وتسويف واستنزاف، كان هؤلاء ضحيته الأولى والأخيرة.
فهل حديث المدير التنفيذي للشركة القابضة، وهذا الوصف التصويري الذي يداعب الخيال، غايته المزيد من الترويج والتسويق للمشروع الورقي «ماروتا سيتي» من أجل المزيد من استقطاب المترفين وأصحاب الثروات والفاسدين للتنافس على الملكية فيه، أم أنه لتبرير المزيد من تأخير التنفيذ عبر هذا الشرح المسهب عن كبر المشروع وضخامته؟
بجميع الأحوال ربما جرعة الخيال الجميلة المسوقة في الحديث تبعدنا قليلاً عن قبح الواقع، لكنها بكل تأكيد لا تنفيه.
فالفقير الذي خرج من بيته في منطقة خلف الرازي ما زال واقعه هو الفيصل والحكم على هذا الخيال، كما على كل الأحاديث والوعود التي أحالت معيشته بالنتيجة إلى المزيد من البؤس، الذي مضى عليه حتى الآن خمسة أعوام طويلة، لم تتم ترجمتها بشكل دقيق عبر الورق والإعلام، ولعله من الصعب توصيف مدى قبحها عليه.