الحرص على القطع الأجنبي بين اللغو والغفران!
تداولت بعض وسائل الإعلام مؤخراً، عن مصدر حكومي قوله: «لا فكرة حالياً للسماح باستيراد السيارات التي تدخل ضمن سياسة الترشيد حفاظاً على القطع الأجنبي».
التصريح أعلاه ليس خارج سياق التصريحات الرسمية، حيث سبق أن تم التأكيد أكثر من مرة على أن استيراد السيارات متوقف، فقد صرح معاون وزير الاقتصاد مطلع شهر آذار 2016 قائلاً: "إن استيراد السيارات متوقف منذ بداية الأزمة في سورية، ولم تمنح الوزارة أية إجازة استيراد للقطاع الخاص".
السيارات الحديثة لعلية القوم فقط!
واقع الحال يقول: أن سوق السيارات الجديدة ما زال يعمل على قدم وساق على ما يبدو، بدليل أن الكثير من السيارات الحديثة غزت الشوارع خلال السنوات السبع الماضية، وما زالت مستمرة بغزوها هذا، وخاصة تلك السيارات ذات المواصفات العالية والرفاهية الزائدة، والتي يسرح ويمرح بها علية القوم وأثرياؤهم من الطبقة المخملية، القدامى والجدد.
ففي مطلع شهر شباط هذ العام صدر المرسوم التشريعي رقم 12 لعام 2017، والذي سمح بموجبه باستيراد سيارات الركوب الصغيرة المصفحة، مع منح فرصة 3 اشهر لتسوية أوضاع بعض السيارات التي دخلت بصورة غير نظامية وفقاً لهذه المواصفات سابقاً، في استثناء خاص من وقف استيراد السيارات لأصحاب الحظوة من كبار الأثرياء، ليس ذلك فقط، بل ومع إعفاء من الغرامات للمخالفين من هؤلاء، ومنحهم فرصة 3 أشهر لتسوية وضع سياراتهم المخالفة، ذات المواصفات الخاصة.
ولعل الدليل الرسمي الآخر الذي يؤكد بأنه تم غزو الشوارع بالسيارات الحديثة، رغماً عن التصريحات الرسمية كلها التي تتحدث عن عكس ذلك، هو: إدخال شرائح جديدة على الرسوم السنوية المستوفاة عن السيارات السياحية من قبل دوائر النقل.
ففي عام 2010 كانت هناك ثلاث شرائح فقط للسيارات السياحية الخاصة حسب سعة محركاتها من أجل استيفاء الرسوم السنوية عليها وهي: أقل من 3000 سم3، ومن 3000 سم3 وحتى 4000 سم3، وأكبر من 4000سم3.
أما الآن، وبعد سبع سنوات من الحرب والأزمة ووقف الاستيراد الرسمي نظرياً، فقد أصبحت هذه الشرائح خمسة، حيث تم لحظ شريحتين إضافيتين على السيارات السياحية الخاصة، الأولى بين 5000 سم3 وحتى 6000 سم3، والثانية أكبر من 6000 سم3.
الدليل الرسمي أعلاه لا يشير إلى أن هناك سيارات متسربة استيراداً رغم المنع المعلن فقط، بل يشير إلى أن هذا التسريب استيراداً كان مخصصاً لأصحاب رؤوس الأموال والأثرياء دوناً عن سواهم، بدليل عدد الشرائح المدخلة على الرسوم السنوية، وسعات المحركات الكبيرة لهذه السيارات الغازية.
هل من مفارقة أو تناقض؟
النتيجة، أن قرار وقف استيراد السيارات طيلة السنوات السبع الماضية لم يكن عائقاً أمام المحظيين من الأثرياء والمترفين، الذين استطاعوا تخطي حواجز المنع بمهاراتهم وسعة معارفهم، كما وما زالوا قادرين على تخطي أي منع مشابه، بدليل السماح لهذه الشريحة باستيراد السيارات السياحية المصفحة أيضاً، بينما تقدم الذرائع الرسمية، ويتم التمسك بحرفيتها، على سبيل المثال، بمواجهة مطالب البعض ممن فقد سيارته بنتيجة الحرب بموجب وثائق رسمية، وجل هؤلاء أصبحوا من مفقري الحال والمشردين جراء الأزمة وتداعياتها.
أخيراً يمكننا القول: لا مفارقة أو تناقض إطلاقاً بما سبق كله، لا على مستوى غزو السيارات الحديثة والفخمة للشوارع، رغم ادعاء وقف الاستيراد والحفاظ على القطع، ولا على مستوى غزو أصحابها ومترفيها لجيوبنا وحياتنا ومعاشنا، ورغم ادعاءات الحكومة بحرصها على مستوى معيشتنا!.
فما سبق كله ليس إلا دليلاً إضافياً على أن الحكومة محابية بسياساتها الليبرالية لهذه الشريحة على حساب محدودي الدخل والمفقرين والمعدمين، كما على حساب الوطن.
أما الحديث الرسمي عن ترشيد القطع، وعدم منح القطاع الخاص أية إجازة استيراد للسيارات، فما هو إلا لغو، لا أحد يحاسب عليه، بل ويشمله العفو والغفران إن لزمت الضرورة.