أشجار سلمية تستجير.. وما من مجير

بجهود جميع الفعاليات الشعبية والرسمية، وعلى مدى عدة سنين، تم تشجير الجبال المحيطة بمنطقة سلمية في محافظة حماة، مما أعاد لهذه المدينة بعضاً من الخضرة التي خسرتها لأسباب متعددة، وخاصة لجبالها التي كانت قد تحولت إلى قفار جرداء، بحيث أصبحت المتنفس الوحيد لسكانها، وقد أعاد ذلك الحياة لكائنات حية كانت قد رحلت، لتعود وتستقر من جديد في أحضان الطبيعة التي تلائم حياتها.. لكن منذ فترة، بدأت تلوح بوادر غير مطمئنة ، تنذر بزوال هذه الحراج، تمثلت بعاملين أساسيين وهما:

حشرة شكلت وباءً، بدأ يلتهم  خضرة هذه الأشجار، وهي حشرة (جادوب الصنوبر) التي تصيب الصنوبر الحراجي بشكل خاص.

أما العامل الثاني:  فهو الرعي الجائر، والذي بدوره أتى على القسم السفلي من الشجرة، بالإضافة إلى قضائه على الغطاء النباتي الحولي، وغيره من النباتات التي بدأت تزدهر بعد غياب عن هذه المنطقة.

وبلقاء تم مع أحد المهندسين الزراعيين، أفادنا بكثير من الحزن بمعلومات حول هاتين الظاهرتين، فيما يتعلق بحشرة الجادوب، أكد أن هذه الحشرة هي حشرة وافدة تأتي على شكل هجمات كل عقد من الزمن، أو عقدين، وبين أنه منذ 25 سنة أصابت تلك الحشرة أشجار محافظة اللاذقية، وتم  حينها مكافحتها والقضاء عليها، إذ يمكن القضاء على الحشرة برش المبيدات الخاصة، قبل أن تخرج اليرقات من الشرنقة التي تحتضنها، والتي تتوضع في أعالي الشجرة.. علماً أن هذه الحشرة خطرة على الغابة، ولكن يمكن السيطرة عليها، ووضع حد لاستفحالها وتجنب آثارها الضارة والخطرة.

أما ما حدث في غابات سلمية، فهو تزامن تواجد الحشرة، مع تأجير (تضمين) الغابة لمربي الأغنام، التي أتت على ما تبقى من أسفل تلك الأشجار، وكأن هناك اتفاقاً بين حشرة الجادوب والأغنام للقضاء على الغابة، بحيث تأكل الحشرة أعلى الشجرة، وتقضي الأغنام على ما تبقى منها.

لقد أكد المهندس الزراعي أن الرعي بحد ذاته عندما يكون مراعياً الشروط التي تضمن سلامة الغابة لا يشكل خطراً يذكر، ومنها ألا تتجاوز أعداد القطعان حمولة المرعى  وقدرته على الاستيعاب، ثم والشيء الأهم، هو تأجير ما تحت الغابة لمدة معينة ومناسبة لتستطيع تلك النباتات معاودة الإزهار  وإكمال دورة حياتها للأعوام القادمة..  وهو نقيض ما حدث في سلمية تماماً، فقد استمرت القطعان بالدخول إلى الغابة وبأعداد كبيرة، وخاصة في فترة الليل، بعد أن استقر المربون بجانب الغابة ببيوتهم المتنقلة، والمبنية أحياناً، وهذا ما سيؤدي سريعاً وبالتأكيد، لزوال الغطاء النباتي وتجريف التربة، والقضاء على الغابة بشكل نهائي، وبالتالي يكون البعض غير المسؤول قد دمَّر برعونته ما أنجزه الغيورون على مدى سنوات، واستباحوا عرق وتعب من عملوا في تشجير هذا المنتجع الجميل الذي كان الأمل كبيراً أن يصبح بحق محمية بيئية وحديقة طبيعية قادرة على الحياة والاستمرار..