نظرة على العدو| أزمة المياه: ما الحل؟
إنّ الجفاف الذي بدأ يتذرّى في المنطقة بدءاً من عام 2006، اضطرّ سوريا بعد شتاء 2008 إلى استيراد كمية كبيرة من القمح لأول مرّة منذ إعلان الاكتفاء الذاتي عام 1990. لقد تأثّر مربو الماشية والمزارعون بشكل غير مسبوق، وبدأ المزارعون السوريون سباقهم نحو الأعماق في محاولة لمطاردة المياه الجوفية، فحفروا الآبار على عمق 100 و200 و500 متر.
وفي غياب إجراءات حقيقية من قبل الحكومة آنذاك، بسبب تهلهل خطط الأمن الغذائي، والإهمال في قراءة المؤشرات البسيطة التي تدل على اقتراب ذروة أزمة المياه، جفّت الآبار وتداعت الأراضي الزراعية السورية، ممّا أدّى إلى تزعزع استقرار المجتمعات الزراعية، وخاصة في المناطق الشرقية الأكثر تأثراً بالجفاف. فبدأت موجات النزوح الجماعي بأعداد تصل إلى 1.5 مليون شخص انضموا إلى أحياء الصفيح على أطراف المدن، المكتظة أساساً.
جفاف عام، ولكن!!
طالما أنّ موجات الجفاف لا تعبئ بالحدود الوطنية، فقد عانت جميع دول المنطقة من هذه الموجة، مثل الأردن وفلسطين، وحتّى العدو الصهيوني لم يسلم منها. فبحيرة طبريا، وهي المصدر الأكبر للمياه لدى العدو، تناقص منسوب المياه فيها إلى «الخطّ الأسود تقريباً»، حيث هدد تفشي الملح غير القابل للعكس بتغطية البحيرة وتدميرها للأبد. إنّ جميع موارد المياه لدى الكيان، ومن بينها تلك التي ينهبها من جنوب لبنان ومن الجولان، لم تعد تكفي استهلاكها، ولذلك تمّ فرض إجراءات حظر على المياه، وتداعت الأراضي الزراعية نتيجة لذلك.
لكنّ كيان العدو استطاع، بعكسنا، تخطي تلك الأزمة. حيث استطاع قطف ثمار معامل تحلية مياه البحر التي بدء إنشائها في عام 2005. فلديه معمل «أشكيلون» للتحلية، والذي بدأ عمله عام 2005، وينتج 127 مليون متر مكعب من المياه. ومعمل «هاديرا»، الذي بدأ عام 2009، ينتج 140 مليون متر مكعب. والآن معمل "سورك" ينتج 150 مليون متر مكعب. إنّ مجموع ما تنتجه معامل التحلية هو حوالي 600 مليون متر مكعب من المياه سنوياً.
والنتيجة التي حصل عليها الكيان من محطات تحلية المياه، بالإضافة إلى معالجة الصرف الصحي بطريقة فاعلة تصل إلى إعادة تجميع 86% من المياه التي تنزل في البلاليع ليستخدمها في الري، والتي باتت توفّر مياهاً زائدة عن الحاجة لديهم.
كيف تخطّوا مشاكل تحلية المياه التقليدية؟
هنالك داخل معمل مياه «سورك» 50 ألف غشاء موضوع داخل أسطوانات بيضاء عامودية، بارتفاع أربعة أقدام وعرض 16 إنش، تصدر طنيناً مثل محركات نفاثة. الأمر برمّته مثل سفينة فضاء تتأرجح وهي على وشك الانفجار. الأسطوانات تحتوي على ألواح من الأغشية البلاستيكية ملفوفة حول أنبوب مركزي، وهذه الأغشية مخرمة بثقوب قطرها أقلّ من واحد بالمئة من قطر شعرة رأس الإنسان. يتمّ ضخّ المياه في الأسطوانات بضغط جوّي مقدراه 70، ويعبر الأغشية، بينما يتمّ إعادة المحلول الملحي الباقي إلى البحر.
كانت عمليات التحلية تحتاج في الماضي إلى طاقة باهظة التكاليف، لكنّ التحسينات التقنية التي تمّ توظيفها في "سورك" غيّرت اللعبة. تكلّف المياه التي يتمّ إنتاجها بواسطة التحلية ثلث ما كانت تكلفه في التسعينيات. يستطيع "سورك" إنتاج ألف لتر من مياه الشرب مقابل 58 سنت أمريكي.
المياه الفائضة، نعمة أم نقمة؟
يروّج الصهاينة لكونهم يتمنون أن يبيعوا فائض المياه عندهم إلى «جيرانهم» من الدول العربية، وأن تلعب هذه المياه الفائضة دور «أداة السلام» التي سينعم فيها الجميع.
لكن لا يمكن لعاقل ينظر إلى التاريخ أن يصدّق تلك «البراءة» «الإسرائيلية»، وخاصّة عندما ينظر لبعض الأحداث المتعلقة مباشرة بالمياه. فقد قام العدو أثناء حرب تموز 2006 باستهداف وتدمير محطات المياه والأنابيب وأنظمة الري والقنوات المفتوحة التي كانت قادرة على استجرار 315 مليون متر مكعب من مياه نهر الحاصباني/الوزاني سنوياً، وذلك بعد أن أعلنت حكومة الكيان قبل عام من ذلك بأنّ مشاريع التطوير المائي اللبنانية تشكّل سبباً للحرب.
إنّ مشاريع بيع المياه بالنسبة للكيان، أو مشاريع التعاون في إنشاء محطات التحلية مع الأردن، تذكرنا بمشروع خطّ «أنابيب السلام» التركي الذي كان يريد تصدير الفائض عن الاحتياج من مياه نهري سيمو وجيمون التركيين، لتستفيد منها «دول» المنطقة التي تشمل الكيان الصهيوني ضمناً. فهذه المشاريع جميعها تبتغي فرض هيمنة إقليمية عن طريق ربط مياهنا بها.
لكن إن لم نقم بمشاريع وطنية، أو إقليمية، تجعلنا نتجاوز تجربة العدو في تأمين فائض مياه في دولنا، فهل سنضمن عدم «اضطرار» حكوماتنا وأنظمتنا في المستقبل، عندما تصل الحاجة للمياه إلى ذروتها، لشراء المياه من الكيان، ولو بشكل غير مباشر عبر «وسيط» ثالث، عن طريق الأردن مثلاً؟