الإعلام الاقتصادي مشغول بـ «إدن الجمل»
رئاسة الوزراء تنفق 5 ملايين ليرة على بنزين السيارات، أما أحد معاوني المسؤولين فلديه أربع سيارات، وكذلك رئيس وزراء سابق رحل وأبقى سيارات الحكومة تحت تصرفه..
وهكذا ينشغل الإعلام المحلي بالتركيز على (الإسراف الحكومي)، وكشف سرقات من نوع (صفقة فساد بـ 25 مليون ليرة إضافية في تكاليف نقل القمح)، أو حتى (مدير في البريد اختلس عشر ملايين وشمّع الخيط)..
بالفعل لا بد أن الإنفاق الحكومي على الجوانب المختلفة، يجد مسارب مضمونة إلى جيوب المتنفذين، ورخائهم وحساباتهم وعقاراتهم، وبالتأكيد تستطيع أن تجد ملايين من قصص فساد المدراء المتوسطين والصغار، بعشرات ومئات الملايين، ومعلوم لدى الجميع أن من لهم باع طويل في المناصب الحكومية، جمعوا رصيد هام من موارد السوريين العامة.
ولكن هل هذا هو «الفساد السوري الكبير»؟! لا هذا ما يصح عليه مقولة: «من الجمل إدنه» أما «الجمل» ففي مكان آخر.. في الحصة التي كانت تقدر أولياً قبل الأزمة بنسبة 30% من الناتج، وبشكل أدق في كبار المتحكمين والراعين للمنظومة الاقتصادية التي جعلت أكثر من 90% من السوريين يحصلون على ربع الناتج، أما ثلاثة أرباعه فكانت للعشرة بالمئة الأغنى، أي أكثر من 45 مليار دولار في سنة واحدة، لمجموع أصحاب الربح الكبير. وهؤلاء أيضاً نخب ومستويات، قادة ومرؤوسين، مالكين وموظفين، وبين شرائح العشرة بالمئة الأغنى في سورية قبل الأزمة تفاوتات كثيرة، لا يملك معرفة فوارقها الدقيقة حتى اليوم، إلا هؤلاء أنفسهم، فمعلومات من هذا النوع «ليست لتداول العامة» كما يقال..
وحتى يجني هؤلاء كل هذه المبالغ، لا بد أن لديهم حصة ليس من تعبئة السيارات ببنزين إضافي، أو من سرقة مكتب بريد في حمص، أو حتى من صفقة مشتريات كبرى لجهة عامة.. بل حصة من القطاعات الكبرى كالنفط والنقل والكهرباء والاتصالات وهلم جرّا.. وربح احتكاري من أسعار التجارة الخارجية أو احتكار متمركز في «جملة الجملة» في سوق التجارة الداخلية.
يعلم جميع السوريين، بأن اتساع وتعمق فقرهم خلال عقود، يعني بالضرورة زيادة أرصدة الثروة لدى القلة القليلة من الرابحين والمتنفذين، وهؤلاء يمكن حصرهم بقطاعات الاحتكار، ومواقع النفوذ، بل وبأسماء العائلات، ولكن بالطبع يصعب التوثيق والنشر والتداول الإعلامي، مع تمرّس هؤلاء بتنويع واجهات أعمالهم، وتبييض أموالهم، أي قدرتهم على إخفاء المعلومة، بل وقائلها أيضاً..
ولذلك يكتفي الإعلام بالتركيز على (مدير بريد سرق عشر ملايين وشمّع الخيط)، طالما أن (معلمي النهب الكبير) محميين، وفوق التداول، ولكن المرحلة اللاحقة ستبيح كل محظورات المرحلة السابقة، وقد لا يبق «ستر مغطى» عندما يتيح الظرف السياسي للناس أن تسأل: «من أفقرنا؟!»، وتفعل ما يستلزم لتستعيد حقوقها المنهوبة.