جبهات عدة مفتوحة على ضبط الأسعار لم تؤت ثمارها المطلوبة بعد
بعد أن حاولت الحكومة لجم ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء، في سعيها لخفض الأسعار بشكل عام، تبيّن أن تخفيض سعر الصرف ليس إلّا إجراءً من جملة إجراءات عديدة يجب اتخاذها لتخفيض الأسعار، فلا يزال انخفاض سعر الدولار وهمياً بالنسبة للمواطنين لأن ما لمسوه على الأرض هو أن الليرة السورية ما تزال فاقدة لجزء كبير من قيمتها الشرائية محلياً..
انخفض سعر الصرف بشكل لافت من 325 قبل حوالي الشهرين إلى مايقارب الـ195 ليرة اليوم، وقدم ذلك إعلامياً بوصفه نتيجةً لعدة جلسات تدخل قام بها مصرف سورية المركزي لبيع شركات الصرافة القطع الأجنبي بأسعار معينة على أن تبيعها الأخيرة للمواطنين وبشروط معينة وفق سعر محدد كان آخره 175 ليرة سورية.
في حين أن ما ساهم بخفض سعر القطع فعلياً، إلى جانب إغلاق الجهات المختصة عدة مكاتب صرافة كبرى وبث اعترافات موظفيها على شاشات التلفاز حول كيفية تلاعبهم بأسعار الصرف، من بين هذه الشركات «الشعار» و«حول الخليج»، وإلى جانب نشر أسماء حوالي 757 مخالفاً ممن قاموا بشراء القطع الأجنبي منذ بداية العام الحالي وإعطائهم مهلة أقصاها 30 يوماً، لإعادة القطع الأجنبي مقابل حصولهم على الليرات السورية، تحت طائلة ملاحقتهم بجرمي تهريب القطع وغسل الأموال وغرامة مالية قدرها 100٪ من قيمة المخالفة، هو جملة من الإجراءات التي تميل نحو تفعيل دور تدخلي قوي للدولة في الاقتصاد غاب في العقدين الماضيين، إجراءات لا تزال في بداياتها فقط..
الحكومة لم تضع يدها على سبب الوجع
ورغم الكميات الضخمة من القطع الأجنبي التي ضخها «المركزي» لمؤسسات الصرافة، بشكل متواز مع الضرب بيد من حديد على المتلاعبين بالقطع الأجنبي، إلا أن المفاجأة الكبرى التي كانت تواجه المواطن السوري هي أن الأسعار بقيت على حالها، في حين كانت أسعار مواد أخرى ترتفع بشكل غريب، وتبيّن مؤخراً لأصحاب الذهنية الليبرالية في الحكومة أن سعر الصرف ليس كل شيء بالنسبة لضبط الأسعار في الأسواق، وأصيب المواطنون بصدمة جعلتهم على يقين بأن الليرة السورية فقدت فعلاً قيمتها الشرائية أو أن الحكومة لم تستطع وضع يدها على سبب الوجع تماماً.
محاولات الحكومة لكشف حقيقة المشكلة، مازالت مستمرة، والتصريحات تتوالى يومياً من الجبهات التي فتحتها في حربها ضد من يتحكم بارتفاع الأسعار في السوق دون أن يُلمس شيء حتى اليوم، ولجأت الحكومة مؤخراً وتحت ضغط الأمر الواقع إلى فتح ملفات «الدولة القديمة» لعلها تكون المغيث المنتظر، فمؤخراً رُفع مقترح إلى رئاسة مجلس الوزراء بخصوص إلغاء تحرير الأسعار المتبع حالياً، بالإضافة إلى التوجه نحو التسعير الإداري لبعض المواد بغض النظر عن الكلفة الحقيقية لها، إلا أنه وبحسب الدراسة الخاصة بهذا الصدد، فإن التسعير الإداري لن يطال سوى 7 مواد فقط حتى الآن، وهي الشاي والسكر والرز والمنظفات والبن والزيت والسمنة، مع أن عودة فكرة التسعير الإداري بحد ذاتها هي خطوة ضخمة في القطع مع الليبرالية الاقتصادية.
التسعير الإداري بانتظار تفعيل خط «الائتمان»
التسعير الإداري قد يحل شيئاً من المشكلة، وبحسب الدراسة التي لم تطبق بعد، فإنه سيتم طرح السلع التي ستخضع للتسعير الإداري بأسعار ثابتة بغض النظر عن ارتفاع وانخفاض التكلفة، وذلك عن طريق منافذ بيع مؤسسات التدخل الإيجابية (مؤسسة الخزن والتسويق والمؤسسة الاستهلاكية) إضافة إلى ربط التعاونيات الاستهلاكية وتسخيرها لبيع هذه المواد، كما يتم حالياً دراسة الآلية التي ستباع بها هذه المواد منعاً للإتجار بها، كالبطاقة التموينية مثلاً إلا أن ذلك لم يقر بعد، بحسب ما أكدته مصادر مطلعة لـ «قاسيون».
المواد التي ستدخل في التسعير الإداري سيتم تأمينها عبر المؤسسات العامة في الدولة عن طريق خط الائتمان الذي فعّل مؤخراً مع إيران، ووعدت الحكومة بأنها ستوسع الـ7 مواد هذه لتشمل مواد إضافية قد تكون أساسية وهامة لمعيشة المواطنين، إلا أن مصادر مطلعة أكدت لصحيفة «قاسيون» بأن «تطبيق التسعير الإداري لن يتم حتى تصل المواد من الجانب الإيراني، وتوسيعها مرتبط بنوعية المواد التي ستزودنا بها».
تأمين المستوردات جبهة أخرى
قضية التسعير الإداري قد تكون حلاً للوجع الذي تبحث عن سببه الحكومة حالياً، وقد لاتكون، وبالإضافة إلى هذه الجبهة فتحت الجهات الحكومية جبهة أخرى باتجاه تأمين المستوردات، حيث طفت على السطح مؤخراً مقترحات تقدم بها رئيس مجلس «محافظة دمشق» عادل العلبي، حول إيجاد آلية معينة تجعل التاجر يقبل ببيع 25% من مستورداته من المواد الغذائية، في «مؤسستي الاستهلاكية والخزن والتسويق»، وإعطائه هامشاً من الربح لتقليص عدد الوسطاء، ويبقى السعر مقبولا بالنسبة للمواطن.
وأيضاً، ولتسهيل عملية انسياب المواد الاستهلاكية والغذائية إلى سورية ومحاولة لإزالة العراقيل وإغراق السوق بالبضائع، وافقت رئاسة «مجلس الوزراء» على استثناء السلع والمواد التموينية الموردة من الجانب الإيراني، عبر خط التسهيل الائتماني، وهي السكر والرز والزيت النباتي والسمن النباتي والحيواني والشاي والخميرة والتون والسردين والفروج والعدس والفاصولياء والمربيات والطحين، من كل الوثائق المنصوص عليها في قانون حماية الثروة الحيوانية رقم 29 لعام2006، والتعليمات التنفيذية الصادرة بموجب القرار رقم 301/ت لعام2006، والقرار رقم 169/ ت لعام 2007، ومن الأوراق الثبوتية المنصوص عليها في قانون الحجر النباتي رقم 26 لعام 2007، الداخلة ضمن نطاق عمل «وزارة الزراعة».
إجازة الاستيراد من سنة إلى 6 أشهر
واشترط القرار على مخابر «وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك»، إجراء الفحوصات المخبرية اللازمة للتحقق من صلاحية هذه المواد والسلع للاستهلاك البشري.
القرار السابق يحتاج إلى تفعيل أكثر، فالعراقيل والروتين ليس مفيداً في مجال الاستيراد هذه الفترة، ومن الضروري فتح كل عمليات الاستيراد، وتقديم المزيد من التسهيلات الإجرائية على أرض الواقع، وعدم عرقلة تخليص البضائع، لأي سبب كان، بهدف المحافظة على مخزون غذائي يكفي المواطنين.
ومؤخراً، وسّعت وزراة الاقتصاد والتجارة الخارجية قائمة موافقات الاستيراد ضمن كميات محددة ومقبولة دون أن يكون مبالغاً فيها لتضم مواد مثل النيونات واللمبات وأدوات فصل وقطع التيار الكهربائي، ومواد أولية لصناعة المنظفات والصابون ومواد أولية لصناعة المحارم الورقية والبراغي والعزق والخراطيم، وقطع تبديل الأجهزة الكهربائية ومواد كهربائية ومحولات ومولدات كهربائية ومنكهات ومحسنات غذائية، وقواطع كهربائية ومفاتيح كهربائية ودهانات ومزيلات الدهان ولوازمها، وكمبيوترات وطابعات ونيونات ولمبات ومواد أولية لصناعة مساحيق الغسيل والصابون والشامبو، والمواد الأولية اللازمة لصناعة المحارم الورقية والورق الخاص بالكتابة والتصوير والزجاج والأواني الزجاجية، والأدوات الخاصة بالجراحة والقرطاسية، وقطع تبديل الأجهزة الكهربائية والسيارات والآلات والآليات.
وقلصت الوزارة أيضاً، مدة إجازة الاستيراد من سنة إلى 6 أشهر، فكلما انتهت مدة إجازة الاستيراد التي عمرها 6 أشهر تعود الوزارة لتمنحه غيرها، وذلك بغرض التزام التاجر والمستورد بتوريد المادة التي أخذ عليها الموافقة دون أن تبقى الموافقة معه سنة دون أن يستورد المادة.
الاستفادة من موظفي الجهات العامة في الرقابة
ولتكون الأمور أكثر قرباً من المستهلك، حاولت الحكومة تفعيل جهازها الرقابي في الأسواق بعد أن طاله الانتقاد اللاذع منذ بداية الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، حيث وجه رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي برفد وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بموظفين من الجهات العامة الأخرى، بهدف اخضاعهم لدورات مراقب تمويني ليصار إلى رفدهم لمراقبة الأسواق وضبط الأسعار بشكل واسع.
وأكدت مصادر في وزراة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن «الوزارة استلمت كل قوائم المرشحين من الجهات العامة الأخرى لفرزهم للعمل كمراقبي تموين، والبدء بالإجراءات القانونية اللازمة لاستكمال فرزهم بعد اخضاعهم لدورات في الرقابة».
وجاء هذا الإجراء نتيجة شح عدد المراقبين التموينيين في سورية والذين يصل عددهم إلى 700 مراقب فقط 75 منهم في محافظة دمشق..
تعديل حكومي طال 6 حقائب وزارية
كل الجبهات التي فتحتها الحكومة حتى اليوم لم تؤت ثماراً، والأسعار مازالت في ارتفاع دون انخفاض أو لجم، إلى أن صدر مؤخراً تغيير وزاري لم يطل الطاقم الاقتصادي كاملاً، علماً أن هناك عدة تيارات متضاربة تعمل ضمن الطاقم الاقتصادي تحول دون اتخاذ قرارات وسياسات اقتصادية تصب في وجهة واحدة، عدا عن وجود أطراف ساهمت بتعقيد الأوضاع الاقتصادية أكثر فأكثر نتيجة تأخرها في اتخاذ الحلول اللازمة وخاصة فيما يتعلق بالسياسة النقدية.