كيف عايشين؟ (قيس من بانياس)
من مدينة بانياس السورية

كيف عايشين؟ (قيس من بانياس)

يعيش قيس في مدينة بانياس مع زوجته عبير وأبنائه الثلاثة. قيس، الأربعيني العامل في إحدى الشركات الخاصة يحصل على 35 ألف ليرة سورية راتباً شهرياً، هي الدخل الثابت الوحيد الذي يواجه به جملة متطلبات الحياة اليومية في الظروف التي تسابق الأسعار فيها أية إمكانية للدخل الثابت..
"قاسيون" زارت قيس في المنزل المتواضع الذي يستأجره وسألته: "كيف عايشين؟!"..

يعمل قيس سائقاً لدى إحدى شركات النقل بين المحافظات. طبيعة عمله هذه ودوامها القاسي، يفرضان عليه النوم خارج المنزل أكثر من مرة أسبوعياً. مقابل هذا الجهد يحصل على راتب شهري 35 ألف ليرة فقط لا غير.. الزوجة غير موظفة، بينما أكبر أبنائه الثلاثة طالب في المرحلة الثانوية، وهو يساعد الأسرة عبر أعمال متفرقة يقوم بها خلال أيام العطل وخاصة في العطلة الصيفية، ولكن الدخل الشهري الذي استطاع تحصيله خلال العطلة الحالية لم يتجاوز 15 ألف ليرة. ذلك هو حال الابن الأكبر للعائلة، الذي يحصل على هذا المبلغ مقابل عمله، الذي يعتبر عملاً شاقاً بالقياس لعمره.
لا يوجد للأسرة مصدر دخل إضافي، فلا مساعدات من الأقارب، ولا مساعدات غذائية أو من جمعيات خيرية او أي مصدر دخل عيني آخر..

الجزء الأكبر من الدخل يذهب لمصروف الغذاء، رغم التقشف الشديد. غذاء الأسرة هو وجبة رئيسية واحدة في اليوم، وهي لا تتضمن اللحوم الحمراء إطلاقاً.. بينما الفروج الواحد يتوزع على عدة طبخات! أما الوجبات الأخرى فهي خفيفة وتعتمد إلى حد بعيد على النواشف ويتصدرها الزعتر والبطاطا..

أجرة المنزل تلتهم الجزء الأكبر من الدخل الشهري البسيط بواقع 15 ألف ليرة شهرياً، لسكن متواضع. "تواضع" المنزل هذا، يكلف قيس إضافة للأجار تصليحات شهرية يقدرها بحوالي 4000 ليرة، وذلك لسوء التمديدات الكهربائية والصحية، ناهيك عن كلفة منع الرشح في الشتاء في ظل أجواء المدينة الرطبة والماطرة.

فوق ذلك كلّه، حدثنا قيس بأسلوب فكاهي ترشح منه المرارة عن "حادث جلل" تعرضت له أسرته قبل شهرين، ما هو؟.. تعطلت الغسالة! كلفّه إصلاحها 25 ألف ليرة، وعادت وتعطلت ثانية فدفع في تصليحها الثاني 6000 ليرة..

فواتير السكن الأخرى لا يستهان بها.. حيث تدفع أسرة قيس حوالي 750 ليرة شهرياً للكهرباء و300 ليرة للماء، وأما استهلاك الغاز المنزلي فيكلفه شهرياً حوالي 2500 ليرة. يضاف إلى ذلك كلّه تكلفة تدفئة الشتاء التي تصل إلى 100 ألف ليرة سورية إذا استهلكت الأسرة 500 ليتر بسعر السوق غير النظامية الذي يتراوح بين 200 و250 ليرة لليتر

بالمجموع، فإن التكلفة الشهرية الوسطية لمكون السكن وحده تبلغ 23 ألف ليرة شهرياً، وبإضافة تكلفة التدفئة موزعة على أشهر السنة: فإن تكاليف السكن مع التدفئة لوحدها تبلغ شهرياً أكثر من 33 ألف، أي اكثر من الدخل الشهري الثابت..

تدفع أسرة قيس حوالي 1000 ليرة شهرياً فاتورة للهاتف الأرضي، وحوالي 4000 لموبايلات العائلة الثلاثة، ومعلوم لدى السوريين أنّ فواتير كهذه ليست إلّا فواتير الحد الأدنى الضروري ..
لحسن حظ الأسرة أن تكاليف مواصلاتها شبه معدومة، نتيجة قرب المدارس والسوق من المنزل.

وفيما الانفاق على الترفيه غير وارد في قاموس الأسرة، فإنّ قيس لا يزال ملتزماً بدفع 2000 ليرة من راتبه لمساعدة والديه، يقتطعها في بداية الشهر قبل أن يبدأ بالإنفاق على حاجات أسرته.

مجموع هذه النفقات يتجاوز 45 ألف ليرة شهرياً، دون احتساب تكلفة التدفئة، ودون احتساب التكاليف الطارئة للصحة، وتكاليف التعليم، واللباس، وبمقابل هذا كلّه هنالك الدخل الثابت البالغ 35 ألف ليرة.. يضاف إليه مؤنته من زيت الزيتون والحنطة التي تؤمنها له الأرض الصغيرة التي يمتلكها أهلهن والتي نادراً ما يفيض إنتاجها عن الحاجة وبالتالي نادراً ما يتحول جزء يسير منها للبيع بالسوق لسد الديون المتراكمة..

يقول قيس (نعيش عملياً بالدين، فديوني تتراكم لدى البقاليات، وحتى الفروج الذي نستهلكه شهرياً على عدة طبخات، أصبحت تكاليفه متراكمة ديناً لدى محل البيع)