قراءة في المؤتمر الصحفيّ للنقابات
عقد رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال «جمال القادري» مؤتمراً صحفياً في مقر الاتحاد قدم من خلاله الخطوط العريضة لتوجهات القيادة النقابيّة الجديدة، فيما يخص حقوق العمال والموقف من الحكومة والمشاريع الخدمية التي سيتبناها الاتحاد العام من صحة وتعليم وإعلام؛ وهذا تقليد جديد نتمنى أن تستمر عليه القيادة النقابيّة، ولكن اللافت للنظر فيما طرح في المؤتمر قضيتان هامتان لنا فيهما وجهة نظر، الأولى: قضية المطالبة بزيادة الأجور، والثانية: علاقة الحركة النقابية بالحكومة مع تأكيدنا على بقية القضايا المطروحة من حيث أهميتها.
قال رئيس الاتحاد في المؤتمر «ليس من مصلحتنا زيادة الرواتب لارتفاع معدلات التضخم والمشاكل الكثيرة التي يمر بها النقد السوري».
قد يبدو هذا الطرح الذي قدم في المؤتمر مقبولاً من حيث الشكل، ولكن نختلف معه في العمق والمضمون الذي له علاقة بتحديد الموقف النقابيّ «العلميّ والمنطقيّ والواقعيّ» من قضية رفع الأجور والأشكال المختلفة للمطالبة بزيادتها، فإذا كانت الزيادة النقديّة المباشرة تسبب التضخم، فإن الدعم بوسائل أخرى لتعويض الفارق بين الحد الأدنى للأجور والحد الضروريّ المطلوب لتغطيّة تكاليف المعيشة، والذي بلغ وفق حسابات ومؤشر «قاسيون» في 2014 أكثر من 70 ألف ليرة سورية، لا يسبب التضخم بل يحل العديد من مشاكل الاقتصاد السوريّ!!.
إن التضخم الكبير المصاب بدائه الاقتصاد السوريّ؛ والذي يفوق نسبة 200% متراكمة، وخلال سنوات الأزمة لأسباب وعوامل تعود بشكل أساسيّ إلى تراجع قيمة الليرة السوريّة نتيجة تراجع الإنتاج السلعيّ بالنسبة للكتلة النقدية المتضخمة. بالإضافة لارتفاع معدلات الاستيراد وزيادة تأثير مضاربات السوق السوداء على الليرة السوريّة، التي تحفزها السياسات المتبعة من مصرف سورية المركزيّ، مع عدم قدرة الحكومة بسياساتها وأدواتها الحاليّة عن السيطرة على مستوى ارتفاع الأسعار، الناتج عن احتكار وتحكم التجار بكميات وأسعار المواد الأساسيّة، والتي تم رفع الدعم عنها، الأمر الذي عكس نفسه بقوة على المستوى المعيشيّ للطبقة العاملة وعموم الفقراء السوريين الذين يشكلون الأغلبيّة المستحقة للدعم المفترض.
إن الدعم الذي قررته الحكومة بموازنتها لعام 2015 والمقدر بـ (388 مليار ل.س) وكان مخصصاً لدعم المشتقات النفطية؛ والذي تراجعت عنه مؤخراً عبر موجات رفع الأسعار المتتاليّة، مع العلم أن المبلغ المشار إليه يعادل كتلة الأجور تقريباً، ينبغي العمل على إعادته لأصحابه المستحقين عبر إعادة تشغيل معامل القطاع العام، والدعم المباشر للسلة الغذائيّة التي أقرتها الحكومة في وقت سابق، ولم تنفذها بما فيها دعم المازوت والخبز.
سيسهم هذا الدعم فيما لو أقر بهذه الطريقة في تخفيف الضغط على مستوى معيشة الطبقة العاملة؛ وبالتالي رفعاً لأجورها من دون تضخم، ناهيك عن كونه رافعة اقتصاديّة جديّة للاقتصاد السوريّ، وإن تأمين الموارد الضروريّة، لذلك يجب أن يكون من أموال الفساد الكبير التي تجد في جملة القوانين والتشريعات والتوجهات التي تم اعتمادها تربتها الخصبة في الاستيلاء على ما تبقى من الاقتصاد الوطنيّ.