يحدث في سورية!
لو حكى لي أحد الرواة في الصومال أو تورا بورا أو أحد المشعوذين من قبائل الهوتو والتوتسي في إفريقيا.. الرواية التي سأسردها بعد قليل، لقلتُ عنه إنه يهرف بما لا يعرف. أو أنه يتحدّث عن نكتة سمجة يتعذّر على العقل البشري تصديق وقوعها. لكنها للأسف حصلت في اللاذقية وفي القرن الواحد والعشرين.
خلاصة الحكاية: «رفعت بستون» مواطن يملك أرضاً في منطقة صلنفة. يقوم بزراعتها منذ سنوات بعيدة وقد ورثها أباً عن جدّ. وفي أحد الأيام من عام (2005) أقدم أحد جيرانه باغتصاب عقار (ساحة عامة) عائدة ملكيته للدولة وضمّها إلى أرضه من دون أية حجة قانونية. وقطع بذلك حق الارتفاق بالمرور ليس على المواطن رفعت فحسب، بل وعلى شركة كهرباء اللاذقية التي تملك مقرّاً مجاوراً للساحة، فيه محركات احتياطية لتوليد الكهرباء، ومُنِعَ الإثنان من الدخول إلى عقاريهما.
أمام هذه الواقعة لجأ السيد (رفعت) بشكل حضاري إلى القضاء لاسترجاع حقه المغتصب، بإقامة دعوى أمام محكمة الصلح في صلنفة وانضمّت إلى الدعوى شركة الكهرباء بطريق التدخّل من خلال ممثلتها إدارة قضايا الدولة وذلك في عام (2008). وكلهما أمل بأن الدعوى بسيطة وسوف يربحانها بسهولة، فالحقّ بيّن لا لبس فيه.
وبعد انعقاد العديد من الجلسات و(الوساطات).. أصدرت المحكمة القرار /395/ أساس /134/ تاريخ 30/12/2009 المخيّب للآمال. قام المدّعيان باستئناف قرار الحكم أمام محكمة الجزاء باللاذقية. وهنا كانت الطامّة الكبرى؛ فقد أصدرت المحكمة قرارها الغريب والعجيب، برقم /7098/ أساس /420/ تاريخ 17/3/2011 والذي يقضي ببراءة المتهم من الجرم المنسوب إليه بسرقة الطاقة الكهربائية لعدم كفاية الأدلّة.!!!
نعم أيها الإخوة! الاتهام الموجّه للمدعى عليه هو «جرم اغتصاب عقار» ومنطوق الحكم يتناول جرماً آخر لم يدّعِ به، ولم يأتِ على سيرته أحد، وهو «سرقة الطاقة الكهربائية».
والأنكى من هذا وذاك، فإن القرار صدر مبرماً مكتسباً الدرجة القطعية. وليس بمقدور المدعيين (رفعت، وشركة الكهرباء) مراجعة أية جهة قضائية في هذه الدعوى بطريق الطعن بعد أن أصبح الحكم القضائي باتاً. ولم يبقَ أمامهما سوى اللجوء إلى دعوى مخاصمة القاضي الذي قام بإصدار القرار المشار إليه. والذي ينطوي على خطأ مهني جسيم ألحقَ ضرراً جسيماً بالمدّعيين حسب رأي العديد من القانونيين.
ومن المعروف بأن دعوى مخاصمة القضاة من أصعب أنواع الدعاوى ومن أكثرها تعقيداً. لما لها من خطورة على سمعة القاضي وعلى الجهاز القضائي بشكل عام. ويستغرق الفصل فيها سنوات.. يكون خلالها قد مات إما المدّعي أو المدّعى عليه أو القاضي.. بعد عمرٍ طويل.
بالرغم من أن المواطن رفعت، المحروم من الوصول إلى أرضه منذ عشرة أعوام إلا بواسطة «الهليوكوبتر أو المنطاد. والذي لجأ إلى «قاسيون» لعرض محنته، بات يتمنى الموت ويستعجله من شدة القهر بعد أن خسر دعواه. بينما خصمه يتبختر في أرضه متلذّذاً بنشوة (النصر) كلما مرّ صاحبنا بجانب أرضه ليشمّ رائحة ترابها المعجون بعرق آبائه وأجداده..
يا ناس! يا عالم! يا هو! إلى أين سنصل؟