التصدير «من الجمل.. إذنه»!
تعد الحكومة بتحقيق رقم نمو في عام 2014 ، ولكنها ومن ضمن كل ضرورات العمل الحكومي لتفعيل الإنتاج الفعلي، تختار أضيق حلقة إنتاج قائمة على قطاع التصدير. حيث تنطلق من تحصيل موارد حكومية من القطع الأجنبي التصديري وليس من توسيع الإنتاج.
إن بوادر تصدير زيت الزيتون في العام السابق مع تراجع في الكميات المنتجة، أدت إلى رفع سعر الكغ من 200 ل.س، إلى 900 ل.س وأضر ذلك بالمستهلكين إلى حد بعيد. أما في المزروعات المحمية المخصصة للتصدير والبندورة على وجه التحديد، فقد باع المزارعون للتجار بسعر لم يتجاوز 50 ل.س، مقابل كلفة للكغ تبلغ 55 ل.س بالحد الأدنى، ما أدى إلى خسارة نصف البيوت البلاستيكية المزروعة خلال عامين، بينما بقيت أسعارها للمستهلك بمقدار يتراوح بين 75-120 ل.س. واليوم ترتفع أسعارها مع فتح احتمالات تصديرية. أما بالنسبة للحمضيات فقد بلغت تكلفتها الوسطية في الموسم الماضي 37 ل.س/ للكغ، وبيعت للتجار بمقدار 25 ل.س لوسطي الأنواع، بينما بلغ سعر الليمون على سبيل المثال في الأسواق المحلية 200 ل.س كحد وسطي. التصدير سيحقق فائدة للمزارعين، برفع سعر البيع عن التكلفة، ولكنها محدودة قياساً بالضرر على مستويات أسعار المستهلكين، بينما الرابح الأكبر هو عدد محدود من تجار التصدير، لم يتجاوز عددهم الـ 200 مصدر في قطاع تصدير البيض، وهو ضمن هذه الحدود في تصدير المزروعات الأخرى.
أما بالنسبة للتصدير الصناعي، فإنه مع تحرير أسعار المحروقات للصناعيين، لن يعود بالفائدة إلا على عدد قليل جداً من الصناعيين في القطاع الخاص الكبير، القادرين على استيراد المحروقات أو الاستمرار بالإنتاج في ظل التكاليف العالمية، وهؤلاء تحديداً هم الصناعيون-التجار (يلاحظ بأن أغلب أعضاء غرف الصناعة هم أصحاب شركات صناعية تجارية).
قد يحقق تنشيط التصدير نمواً وموارد، ولكنها ستعود بالفائدة محدودة على المزارعين مقابل فوائد جمّة لتجار التصدير، وعدد قليل من كبار الصناعيين، ويعود للحكومة بقطع أجنبي محدود من قطع التصدير، تستطيع الحكومة أن توفره من إعادة ترشيد مستوردات التجار التي تبلغ وسطياً 10 مليون دولار يومياً يمولها المصرف المركزي، أو تقليل الضخ لسوق الصرف والمضاربة!.
إن هذه السياسة هي تعبير جديد عن سعي الحكومة إلى تحقيق إنجازات اقتصادية شكلية، فهي تسعى للحفاظ على سعر صرف الليرة مقابل الدولار وإن كلف ذلك هدر احتياطي القطع الاجنبي، وبالمقابل لا تحمي قيمة الليرة بدعم قدرتها الشرائية. وكذلك تسعى لتخفيف العجز الحكومي، عن طريق تخفيف نفقات الدعم، حتى وإن كلف ذلك ارتفاع مستويات الأسعار إلى حدود غير مسبوقة وتراجع الأجور الحقيقية. وهي تسعى إلى تحقيق رقم نمو من تصدير المنتجات الزراعية الفائضة ورفع أسعارها المحلية، وتحصيل موارد حكومية منها، تاركة الموارد غير المشروعة التي تراكمها قوى الفساد والسوق، والتي تعيق عمليات الإنتاج.
تجاهل الحكومة لتشوه علاقات الإنتاج السورية، المتمثلة بتوزيع الجزء الأهم من موارد الإنتاج على الفساد والسوق السوداء، وباستهلاك واستغلال المنتجين الفعليين والموارد للحد الأقصى، لن يؤدي إلا إلى تراجع الإنتاج والمنتجين وزيادة هيمنة الريع والطفيليين.