الرّقّــة:  يَومَ عَبَرنَا جِسرَ المنصور..!

الرّقّــة: يَومَ عَبَرنَا جِسرَ المنصور..!

من المعروف أنّ الحاجة أمّ الاختراع،وكان أجدادنا من أوائل الذين استوطنوا على ظهر البسيطة ومن أوائل من زرعوا، وحضارة تل مريبط  في الرقة شاهدة على ذلك.

وقد اخترعوا الزوارق المائية الصغيرة التي تسمى باللهجة العامية(طُرّادة) لسهولة استعمالها والتحكم فيها وذلك في الصيد ونقل الحاجات الخفيفة وعبور الركاب من ضفةٍ إلى أخرى على نهر الفرات، وكذلك (الطّوف) لنقل المحاصيل والأدوات وحتى الجرارات..وكانت هناك ملاحة نهرية تاريخية منذ آلاف السنين، تربط مملكة إيبلا شمال غرب سورية بمملكة ماري جنوب شرقها، وقد ضعف استخدام الطرادة والطوف مع الزمن نتيجة بناء الجسور بل وكادت تنقرض.. وللعلم قامت مجموعة من المثقفين والفنانين في الرقة منذ سنوات بإحياء ذكرى الرحلة التي قام بها أحد أمراء مملكة إيبلا إلى مملكة ماري، وقاموا برحلةٍ نهرية سنوية استمرت لحوالي تسع سنوات، والاستفادة منها لتوثيق البيئة الفراتية والنباتات والحيوانات والجزر النهرية وكذلك لتشجيع السياحة النهرية وحماية البيئة من التخريب والتلوث.. وقد توقفت هذه الرحلة السنوية منذ انفجار الأزمة التي تشهدها سورية..

وجسر المنصور الذي أنشئ في أربعينيات القرن الماضي ليربط ما يُسمى الشامية على الضفة اليمنى لنهر الفرات بمدينة الرقة، حيث يوجد على الضفة اليمنى العديد من القرى الزراعية مثل كسرة فرج وكسرة عفنان وكسرة محمد علي والدهموش وحويجة السواقي ورطله.. وقد سميت هذه القرى بالغوطة لجمالها ولما تنتجه من خضرواتٍ شتوية وصيفية ومنتجات الثروة الحيوانية وخاصةً الحليب ومشتقاته وكذلك تيمناً بغوطة دمشق.. ويبلغ تعداد سكان هذه القرى حوالي 30 ألف مواطن..

وقد ساعد جسر المنصور على نشوء وتطوير علاقات اقتصادية واجتماعية متعددة بين الضفتين،حيث تعتمد الرقة بشكلٍ أساسيٍ على ما تنتجه (الغوطة الرقاوية) كما يستجر أبناؤها من الرقة ما يحتاجونه ويستفيدون من الخدمات الصحية والثقافية والعلمية وعمالة غيرها.. أي تطورت مختلف جوانب الحياة بين الطرفين..

ومؤخرا نتيجة الأزمة أغلق الجسر أمام عبور السيارات من الجهات المسؤولةً الرسمية والأمنية، والسماح للمشاة فقط بالعبور.. وقد تسبب هذا الإغلاق بانقطاع أغلب أِشكال التواصل  الاقتصادي والاجتماعي ومعاناة كبيرة للمواطنين من طلاب جامعة وعمال وفلاحين وتلف لمنتجاتهم وخسائر مادية كبيرة وصار قسم منهم يضطر للعبور من منطقةٍ أخرى تبعد حوالي 30 كم مما يكلفهم مزيداً من المعاناة والخسائر المادية الأخرى خاصة مع قلّة توفر المحروقات وارتفاع أسعارها حيث يصل سعر لتر البنزين 350 ليرة والمازوت 200 ليرة.. كما حَرَم أهالي الرقة من المنتجات الزراعية والحيوانية.. وخاصةً أيضاً مع الأزمة الغذائية التي يعاني منها المواطنون عموماً..وقد اضطر قسم منهم للعودة إلى الطرادة للعبور..أي أعادونا للعصور القديمة كما يريدون..!

وهنا نتساءل:

 هل اعتماد الحلول الأمنية في كل شيء خفف من التوتر وتفاعلات الأزمة ونتائجها.. أم أنّه فاقمها أضعافاً مضاعفة وسيسمح لقوى الفساد في التغلغل ونهب المواطنين الذين سيكفرون بكلّ شيء.. وربما يصبح عبور الجسر ذكرى لهم ويقولون يوم عبرنا الجسر..! فلماذا أغلق الجسر ومن المستفيد..؟

لا شكّ أنّ من أغلقه إمّا لا يدرك وجاهل، وإمّا متآمر.. والخاسر هو الوطن والمواطن.. وأنّ الرابحين هم الفاسدون والقمعيون.. ولقد أثبتت الأيام والوقائع على الأرض وما زالت تثبت أنّ الحلول الأمنية القمعية لم ولن تحل الأمور، وأنّ هناك من يعمل على استمراريتها وبالتالي استمرار الأزمة، وهذا يعني أنّه ضد مصلحة الشعب والوطن..

لذا نحمل المسؤولية لمن يعمل على استمرار هذه الحلول، ونطالب بإيقافها فوراً وفتح جسر المنصور لعبور المواطنين ومحاسبة المسؤول عنها كائناً من كان، حفاظاً على كرامة الوطن والمواطن التي هي فوق كلّ اعتبار..