بعد حوالي 70 عاماً... المؤتمر 19 للحزب الشيوعي الروسي: نحو إنصاف ستالين!
أصدر المؤتمر 19 للحزب الشيوعي الروسي، الذي عقد جلسته الأولى في 15 تموز 2025، قراراً «بشأن استعادة كامل العدالة التاريخية تجاه يوسف فيساريونوفيتش ستالين».
يمثل هذا القرار نقلة نوعية في عملية إعادة التقييم التاريخي، ليس لتجربة الاتحاد السوفياتي فحسب، بل ولمجمل العمليات التاريخية التي جرت خلال القرن العشرين، وصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفياتي وما رافقه وتلاه من تغيرات عاصفة في موازين القوى الدولية.
فيما يلي الترجمة العربية لنص القرار...
نص قرار المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية
«بشأن استعادة كامل العدالة التاريخية تجاه يوسف فيساريونوفيتش ستالين»
إن تاريخ روسيا، وتراثها السوفييتي، يثيران اهتماماً اجتماعياً متزايداً. وبلادنا تتجاوز تبعات التخدير الخانق لمرحلة غورباتشوف–يلتسين. وتغدو حقيقةً بديهيةً لا تقبل الجدل أنه في عهد فلاديمير إيليتش لينين ويوسف فيساريونوفيتش ستالين قد تحققت أعظم أحداث القرن العشرين — ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، وإنشاء اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، والانتصار على الفاشية الألمانية والعسكرة اليابانية، وتطويع الذرة وغزو الفضاء. وفي تلك المرحلة بالذات، وفي خضم صراع ضارٍ مع الأعداء الخارجيين والداخليين، جرى البحث الشاق عن السبل الصحيحة لتطور البلاد.
يحتل يوسف ستالين مكانة خاصة في ذاكرة الناس. فصورته تقف بين أولئك الأسلاف العظام الذين صنعوا مجد الوطن وقوته، وأنقذوا شعبنا من الاستعباد والهلاك. ويقف ستالين في صف واحد مع ألكسندر نيفسكي ودميتري دونسكوي، وكوزما مينين ودميتري بوجارسكي، وإيفان الثالث وبطرس الأكبر، وألكسندر سوفوروف وميخائيل كوتوزوف. وقد كُتب اسمه إلى الأبد في التاريخ إلى جانب اسم مؤسس الدولة السوفييتية فلاديمير لينين. وقد خاض ملايين الوطنيين معركة الموت ضد الرجس الفاشي بهتاف النصر: «من أجل الوطن! من أجل ستالين!».
واليوم، فيما تزيد العسكرة الأطلسية من عدوانها ضد روسيا، يقف فلاديمير لينين ويوسف ستالين معنا في صفوف المناضلين من أجل حرية واستقلال وطننا. نتعلم منهما المبدئية، والقدرة على التفكير والعمل. وفي أعمالهما وجهودهما نبحث عن أجوبة للتحديات المصيرية التي يفرضها الزمن. ونستمد من معلمينا - المشاركين في صياغة برنامج نصرنا - العزم والحكمة.
لم يتنكر الشعب السوفييتي قط لستالين. فقد حُفظت بعناية في قلوب الشيوعيين وغير الحزبيين صورة القائد الصارم والعادل. وكان الكادحون يقولون للبيروقراطيين المتحللين، والانتهازيين والطفيليين، وناهبي الملكية الاشتراكية: «أنتم بحاجة إلى ستالين!». وفي صراعهم الشخصي على السلطة، انزلق بعض من تلامذته الذين دفع بهم إلى مواقع المسؤولية إلى درب خيانة المعلم العظيم.
بعد وقت قصير من الوداع الشعبي العام ليوسف فيساريونوفيتش ستالين، اقترح رئيس مجلس وزراء اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية غيورغي ماكسيمليانوفيتش مالينكوف، في اجتماع هيئة رئاسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، «وضع حد لسياسة عبادة الشخصية». وقد أيده في ذلك لافرينتي بافلوفيتش بيريا، الذي دعا إلى إدانة الزعيم الراحل داخل الحزب. غير أن هذه المبادرات قوبلت في يوليو/تموز 1953، في الجلسة العامة للجنة المركزية للحزب، بمعارضة من ألكسندر أندرييفيتش أندرييف، وإيفان فيدوروفيتش تيفوسيان، ورفاق آخرين. وقد عبّر فياتشيسلاف ميخائيلوفيتش مولوتوف بإصرار وبحجج وافية عن موقفه الرافض للهجمات على يوسف فيساريونوفيتش ستالين.
ألقى نيكيتا سيرغييفيتش خروتشوف التقرير السري «حول عبادة الشخصية ونتائجها» في 25 فبراير/شباط 1956، وذلك بعد انتهاء أعمال المؤتمر العشرين. ولم يُعرض نص التقرير للمصادقة عليه من قبل أعضاء اللجنة المركزية، الأمر الذي أكسبه طابعاً انتقائياً منحازاً إلى حد كبير. وبذلك جرى انتهاك معايير الحياة الحزبية التي ناضل فلاديمير إيليتش لينين من أجلها بنشاط في سنوات تشكّل الاشتراكية الديمقراطية الروسية.
ينبغي لجميع أجيال الشيوعيين أن تتذكر وصية مؤسس البلشفية:
«مزيداً من الثقة في الحكم المستقل للكتلة الكاملة من العاملين الحزبيين؛ فهم، وهم وحدهم، قادرون على كبح الحماسة المفرطة للمجموعات الصغيرة الميالة إلى الانقسام، وقادرون بتأثيرهم البطيء وغير الملحوظ، لكنه المثابر، على غرس "حسن النية" في الالتزام بالانضباط الحزبي، وقادرون على تهدئة اندفاع الفردانية الفوضوية، وقادرون، بمجرد واقع لامبالاتهم، على توثيق وإثبات وإظهار ضآلة شأن الخلافات التي تضخمها العناصر الساعية إلى الانقسام».
وبدوسه بقراراته على الوصايا اللينينية، أظهر خروتشوف بصورة كاملة الفردانية الفوضوية، والتهور، والنزعة الانقسامية. وسعياً وراء شعبية رخيصة، عمد إلى تشويه نتائج ثلاثين عاماً من قيادة ستالين تشويهاً شاملاً. وبلغ الأمر بالمسؤول الأول في الحزب الشيوعي السوفييتي حد الزعم بأن ستالين كان يخطط للعمليات العسكرية على كرة أرضية، وأنه كان متورطاً في اغتيال أقرب أصدقائه ورفاقه سيرغي ميرونوفيتش كيروف.
لقد شكّلت الضجة التي أُثيرت حول «فضح عبادة الشخصية» ضربة قاسية للشيوعيين المخلصين. وأصبحت هدية سخية لأعداء السلطة السوفييتية، وأدت إلى اضطراب صفوف أصدقاء وحلفاء الاتحاد السوفييتي على الساحة الدولية.
وفي الوقت نفسه، اصطدم فريق خروتشوف بنقص موضوعي في المواد التي يمكن أن تسيء إلى اسم ستالين وقضيته. وقد ثبت اليوم على نحو موثوق وقوع عمل متعمد لسحب الوثائق الأصلية من الأرشيفات الحكومية وإدخال وثائق مزورة مكانها. وأكثر من ذلك، فقد أثبت رفيقنا، الشيوعي الصلب والوطني فيكتور إيفانوفيتش إيليوخين، بصورة مقنعة، أن ممارسة «تنقية» الوثائق الأرشيفية استمرت في عهد غورباتشوف ويلتسين.
وقد لحقت بقضية الاشتراكية أضرار جسيمة جراء الموجة الثانية من «إزالة الستالينية» المرتبطة بقرارات المؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي. فقد تحولت الحملة المعادية لستالين، المنفلتة من كل ضابط، إلى ضربة هائلة لهيبة الحزب، وأفرزت حالة من الارتباك الأخلاقي-السياسي في المجتمع السوفييتي. وزُرع انقسام عميق داخل المعسكر الاشتراكي. وأصبح قطع العلاقات بين الاتحاد السوفييتي وجمهورية الصين الشعبية وجمهورية ألبانيا الشعبية أمراً محتوماً. وكان ذلك إيذاناً ببداية أزمة مؤلمة في الحركة الشيوعية العالمية. وقد تسلح المعادون للسوفييت على اختلاف مشاربهم، وأجهزة الاستخبارات الغربية، وما يُسمّى بـ«المنشقين»، بـ«ورقة رابحة» في الحرب الإعلامية ضد بلادنا وضد الاشتراكية.
تعلّمنا الماركسية- اللينينية أن أمام الشيوعيين طريقاً واحداً صحيحاً لا غير؛ طريق الحقيقة التاريخية. ولا بد من معرفتها، والدفاع عنها، واستعادتها. لقد ارتبطت حياة ستالين ونضاله، شأنه شأن أي شخصية تاريخية، بنواقص وتناقضات. غير أن تصحيح الأخطاء والزلات التي ارتُكبت كان، في كثير من الحالات، يتم بمبادرته الشخصية، وهو ما أرسى الأساس لمزيد من تعزيز الشرعية الاشتراكية.
وحتى مجتمعة، فإن الاختلالات المعروفة في حياة الحزب والدولة لا تتناسب إطلاقاً مع دور ستالين في الدفاع عن النهج اللينيني، وفي ضمان وحدة الشيوعيين، وفي ترسيخ القوة الصناعية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، وتنظيم التصدي لأوروبا المستولى عليها من الفاشية. إن إسهامه في تحقيق النصر العظيم على النازية الألمانية والعسكرة اليابانية هائل. أما إسناد الإخفاقات إلى شخص واحد، مهما يكن عظيماً، فهو أمر لا يتوافق لا مع الفهم الحزبي ولا مع الفهم العلمي للتاريخ.
لقد كان خطأ أفعال خروتشوف مُدركاً داخل قيادة الحزب والدولة. ونتيجة لذلك، جرى عزله من مناصبه. وكانت هناك دائماً داخل الحزب خطّة ترفض الإدانة الشاملة لستالين. وقد شكّل موقف الحزب الشيوعي الصيني الحكيم بشأن العلاقة بين مناقب ماو تسي تونغ وأخطائه مرشداً جديراً بالاعتبار في هذا الصدد.
وخلال سنوات قيادة ليونيد إيليتش بريجنيف للحزب والدولة، توقّف موضوع «عبادة الشخصية» عن الهيمنة على تقييم الدور التاريخي ليوسف فيساريونوفيتش ستالين. كما جرى التحضير لعدد من الخطوات المهمة بمبادرة من كونستانتين أوستينوفيتش تشيرنينكو عشية الذكرى الأربعين للنصر العظيم. غير أن استعادة كامل العدالة التاريخية لم تتحقق. أما انتخاب ميخائيل سيرغييفيتش غورباتشوف أميناً عاماً في الجلسة العامة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي في مارس/آذار 1985، فقد شكّل نقطة الانطلاق لأزمة مصطنعة داخل الحزب، ثم للتدمير الإجرامي لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية.
وفي نشاط الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية، جرى مراراً تقييم «تفنيد» خروتشوف ليوسف فيساريونوفيتش ستالين على أنه ضار سياسياً ومنحط أخلاقياً. وبالنسبة للشيوعيين الحقيقيين وأنصارنا، فإن صحة كلمات المفوض الشعبي الستاليني الأسطوري، مارشال الاتحاد السوفييتي دميتري فيودوروفيتش أوستينوف، واضحة:
«لم يُلحِق أي عدو بنا من الأضرار ما ألحقه بنا خروتشوف بسياساته تجاه ماضي حزبنا ودولتنا، وكذلك تجاه ستالين».
وباعتباره الوريث الفكري للحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي الروسي - حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي (البلاشفة) - الحزب الشيوعي الروسي (البلاشفة) — الحزب الشيوعي لعموم الاتحاد (البلاشفة) — الحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي — الحزب الشيوعي لجمهورية روسيا الاتحادية السوفييتية الاشتراكية، فإن الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية يواصل، بثبات، النضال ضد تزوير تاريخ الحقبة السوفييتية العظيمة. وقد حان الوقت للتأكيد على نحو خاص على ضرورة استعادة كامل العدالة التاريخية تجاه يوسف فيساريونوفيتش ستالين.
يرى المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية ضرورة ما يلي:
- تقييم تقرير نيكيتا سيرغييفيتش خروتشوف «حول عبادة الشخصية ونتائجها»، الذي أُلقي في الجلسة المغلقة لمندوبي المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي في 25 فبراير/شباط 1956، على أنه خاطئ ومنحاز سياسياً. إذ يحتوي نص التقرير على وقائع محرّفة واتهامات كاذبة بحق يوسف فيساريونوفيتش ستالين، ويشوّه الحقيقة بشأن نشاطه في إدارة الدولة والعمل الحزبي؛
- الاعتراف بالطابع التدميري لقرارات وتوصيات المؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، وما ألحقته من أضرار جسيمة بالبناء الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي وبالحركة الشيوعية العالمية، وذلك في الجزء المتعلق بتقييم دور ومكانة ستالين في تاريخ الحزب والبلاد؛
- التوجه إلى رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين بنداء لإعادة الأسماء البطولية إلى مدينة فولغوغراد ومقاطعة فولغوغراد — ستالينغراد ومقاطعة ستالينغراد. فقد اتُّخذت قرارات إعادة التسمية دون مبرر. وهي لا تتوافق مع مصالح صون الذاكرة التاريخية ولا مع تنفيذ المهام الاستراتيجية لروسيا — الانتصار على النازية الجديدة، والدفاع عن السيادة والأمن القومي؛
- تكليف لجان الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية على جميع المستويات، وكذلك الأجهزة الإعلامية للحزب، باستخدام التقييمات الواردة في هذا القرار استخداماً نشطاً عند تناول القضايا الراهنة للصراع الأيديولوجي. كما يُطلب إعداد واعتماد مقرر دراسي مناسب ضمن منظومة التثقيف الحزبي–السياسي؛
- مواصلة العمل على تخليد ذكرى يوسف فيساريونوفيتش ستالين، ودراسة ونشر إرثه النظري والعملي، وتفعيل هذا الإرث في نشاط الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية والقوى اليسارية–الوطنية في المرحلة الراهنة.