رفض الاستئناف الإسرائيلي: محكمة الجنائيات في مواجهة المنظومة الدولية
في قرارٍ يوصف بأنه اختبار لإرادة العدالة الدولية أمام الهيمنة السياسية، رفضت المحكمة الجنائية الدولية استئنافاً إسرائيلياً يطعن في اختصاصها ومذكرات الاعتقال الصادرة بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت. القرار الذي صدر بأغلبية الأصوات، يؤكد سريان المذكرات الصادرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 والاتهامات الموجهة لنتنياهو وغالانت بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، المحكمة التي باشرت التحقيق عام 2021، يشمل جرائم حرب ارتُكبت "منذ 13 يونيو 2014، من دون تحديد تاريخ انتهاء"، ما يعزّز الأساس القانوني لمذكرات التوقيف الصادرة في نوفمبر 2024.
عزلة قضائية تعكس تحولاً عالمياً
بعيدا عن التفاصيل القانونية واختصاص المحكمة فان رفض طلب الاستئناف يعبر عن أحد اشكال العزلة السياسية التي يعاني منها الكيان بشكل متصاعد. فبعد عقود من الحصانة النسبية تحت مظلة الحماية الغربية، تجد القيادة الإسرائيلية نفسها للمرة الأولى أمام مؤسسة دولية ترفض الانحناء للضغوط الدبلوماسية المكثفة. هذه العزلة لم تنتج عن نقص في الجهود الدبلوماسية الإسرائيلية، بل تمثل تجسيدا لمجمل التغييرات الدولية. والتحركات الشعبية المناهضة للابادة الجماعية التي يمارسها الكيان في غزة.
فالمحكمة، برفضها الاستئناف، لم تقدم حكماً قانونياً فحسب، بل أرسلت رسالة بانها لن تخضع للضغوط الامريكية والبريطانية التي حاولت من خلال التهديد والعقوبات اعاقة عمل المحكمة والتاثير على قرارتها ولكن اعضاء المحكمة لم يخضعو للضغوط.
كشف المدعي العام للمحكمة كريم خان أن الحكومة البريطانية هددت سابقاً بوقف تمويل المحكمة والخروج من نظام روما الأساسي إذا ما مضت في إصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو. كما تلقى تحذيرات أمريكية من "عواقب كارثية" إذا أصدر المذكرات.
الرد الأمريكي المباشر جاء عبر فرض عقوبات على قاضيين إضافيين من منغوليا وجورجيا، صوّتا مع الأغلبية لرفض الاستئناف. وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو برر العقوبات بقوله إن المحكمة "تسئ استخدام السلطة" وتنتهك سيادة الولايات المتحدة وإسرائيل، في تصريح يعكس نظرة انتقائية لصلاحيات المحكمة الدولية، وتصبح سلطة المحكمة قانونية إن توافقت مع أهداف وأجندات واشنطن
تحذيرات من تقويض استقلالية القضاء الدولي
في تصريحات لها قبل القرار، حذرت رئيسة المحكمة الجنائية الدولية القاضية توموكو أكاني من أن "المحكمة تتعرض لإجراءات قسرية وتهديدات وضغوط وأفعال تخريبية تستهدف تقويض استقلالها".
وأشارت إلى أن تسعة مسؤولين منتخبين في المحكمة، بينهم ستة قضاة وقيادة المحكمة كاملة، باتوا تحت عقوبات أمريكية، في خطوة غير مسبوقة تساوي بين قضاة دوليين وارهابييين وتجار مخدرات.
تداعيات تتجاوز القضية الإسرائيلية
المعركة القانونية حول مذكرات الاعتقال الإسرائيلية تحولت إلى ساحة صراع أوسع حول مستقبل النظام القضائي الدولي برمته. فرفض المحكمة الانصياع للتهديدات المالية والسياسية يشكل سابقة خطيرة للقوى التي اعتادت استخدام نفوذها لإعاقة مسارات المحاسبة. كما يأتي القرار في وقت تشهد فيه المؤسسات الدولية متعددة الأطراف اختبارات مصيرية لاستقلاليتها ومدى فعاليتها وتأقلمها مع التغييرات الكبرى الحاصلة على الصعيد الدولي؟
الرسالة التي تخرج من لاهاي اليوم واضحة: أن المحكمة الجنائية الدولية، رغم كل الضغوط، اختارت أن تقف مع القانون الدولي وليس مع الهيمنة السياسية. لكن التحدي الحقيقي سيتمثل في قدرتها على الصمود أمام العواقب التي ستترتب على هذا الموقف الشجاع.
معتز منصور