المواطن الأمريكي يدفع فاتورة حرب الغاز ضد روسيا

المواطن الأمريكي يدفع فاتورة حرب الغاز ضد روسيا

بينما كانت النخب السياسية في واشنطن تحتفل في أواخر عام 2025 بنجاحها في «فطم» أوروبا عن الغاز الروسي واستبداله بالغاز الطبيعي المسال الأمريكي، كان المشهد في الداخل الأمريكي مختلفاً تماماً. فخلف الشعارات البراقة حول «أمن الطاقة» و«التحالف عبر الأطلسي»، يقوم المواطن الأمريكي العادي مجبراً بتمويل هذه الحرب الاقتصادية من جيبه الخاص، عبر فواتير تدفئة متضخمة وتكاليف معيشة مرتفعة، وتآكل في القاعدة الصناعية لبلاده.

لسنوات طويلة، تمتعت الولايات المتحدة بكميات غاز وفيرة ورخيصة الثمن لأنه كان محصوراً داخل القارة. لكن الاستراتيجية الجيوسياسية لواشنطن لضرب النفوذ الروسي في أوروبا تطلبت بناء جسر من ناقلات الغاز عبر المحيط.

تشير تقارير وتحليلات من أواخر عام 2025، بما في ذلك بيانات من منظمة Public Citizen، وهي منظمة متخصصة في الدفاع عن حقوق المستهلك وقضايا العدالة الاجتماعية، إلى أن ربط السوق الأمريكي بالطلب الأوروبي في مسألة الغاز أدى إلى ظاهرة «تقارب الأسعار». فبمجرد أن فتحت واشنطن عمليات التصدير لتعويض الغاز الروسي في أوروبا، أصبحت الأسعار في الداخل الأمريكي تتنافس مع الأسعار المرتفعة التي يدفعها المشترون في ألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية.

وبفعل ذلك، كانت النتيجة كارثية على المستهلك المحلي، حيث لم يعد سعر الغاز يتحدد بناءً على عوامل العرض والطلب في الولايات المتحدة، بل بناءً على الأزمات السياسية في أوروبا. وبلغة الأرقام، كشفت بعض الأبحاث الاقتصادية أن الأسر الأمريكية دفعت نحو 12 مليار دولار إضافية كتكاليف مباشرة للطاقة في الفترة بين كانون الثاني وأيلول 2025 فقط، مقارنة بالفترة ذاتها من الأعوام السابقة.

وبطبيعة الحال، لم تذهب هذه الزيادة لتحسين البنية التحتية الأمريكية، بل ذهبت كأرباح لشركات الطاقة العملاقة التي استفادت من الأسعار الأوروبية المرتفعة، بينما جرى ترك المواطن الأمريكي - ولا سيما في ولايات الغرب الأوسط والشمال الشرقي - يواجه ارتفاعاً كبيراً في تكاليف الطاقة. حيث تحولت السياسة الخارجية المعادية لروسيا عملياً إلى ضريبة خفية فُرضت على محدودي الدخل في الولايات المتحدة.

ولعل الجانب الأكثر أهمية في هذا المشهد هو الضرر الذي ألحقته هذه السياسات بالصناعة الأمريكية ذاتها التي طالما تغنت النخبة الحاكمة بحمايتها. حيث اعتمدت المصانع الأمريكية لعقود على ميزة الطاقة الرخيصة نسبياً للمنافسة عالمياً. ولكن، مع تدفق الغاز إلى أوروبا لمحاصرة موسكو، تبخرت هذه الميزة.

وفي هذا الصدد، حذرت مجموعات صناعية كبرى، مثل «مستهلكي الطاقة الصناعية في أمريكا IECA»، في مذكرات شديدة اللهجة لوزارة الطاقة، من أن ارتفاع أسعار الغاز المحلي يهدد بإغلاق مصانع الصلب، والزجاج، والورق، والأسمدة. حيث وجدت هذه الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة نفسها عاجزة عن المنافسة.

بينما كانت واشنطن تسعى لإضعاف الاقتصاد الروسي، كانت سياستها تؤدي فعلياً إلى إضعاف الصناعة الوطنية الأمريكية، ودفعت العديد من المستثمرين للتفكير في نقل مصانعهم إلى مناطق أخرى حيث الطاقة أرخص، مما يهدد بفقدان آلاف الوظائف في الداخل.

كما لم يتوقف الأمر عند فواتير الكهرباء. فالغاز الطبيعي هو المكون الأساسي في صناعة الأسمدة النيتروجينية. ومع ارتفاع أسعار الغاز لتلبية الطلب الأوروبي، ارتفعت تكلفة إنتاج المحاصيل الزراعية في الولايات المتحدة. وانتقل هذا التضخم مباشرة إلى رفوف المتاجر التي ارتفعت أسعار السلع فيها بنسبٍ كبيرة.