تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية: تعافي البنية التنظيمية وإعادة تشكيل المعادلة
كنان دويعر كنان دويعر

تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية: تعافي البنية التنظيمية وإعادة تشكيل المعادلة

تشهد الساحة الفلسطينية تصاعداً ملحوظاً في وتيرة وعمق عمليات المقاومة خلال الفترة الأخيرة، رغم الحملة العسكرية الصهيونية الشرسة التي تستهدف بشكل ممنهج البنية التحتية البشرية والمادية لغزة. هذا التصاعد لا يعكس فقط القدرة على الصمود، بل يكشف عن تعافٍ تنظيمي متسارع لفصائل المقاومة، وقدرتها على تجديد أدواتها القتالية رغم الخسائر الكبيرة وحجم الدمار غير المسبوق.

في مشهد يختزل مفارقات الصراع، تمكنت المقاومة رغم القدرات الاستخباراتية المتطورة وانتشار المسيرات التي ترصد كل شبر من أرض غزة، من تقديم دروس جديدة في التكتيك العسكري. من عودة إطلاق الصواريخ وإن كان بشكل رمزي، إلى المشاهد التي هزت العالم لمقاومين يطاردون بعزيمة نادرة عربات مدرعة ببنادق كلاشنكوف، تبرز معادلة جديدة. بلغت ذروتها في العملية الدقيقة التي فجّرت خلالها روبوتاً مفخخاً كان جنود الاحتلال يعدونه لتدمير مبنى سكني، ثم تبعتها بضربات مدروسة لقوات الإسناد، في سيناريو يعكس دقة التخطيط والتنفيذ.

 

البعد النفسي للمواجهة

 

لم تتوقف سلسلة التصعيد عند هذا الحد، فمحاولات أسر الجنود وإعلان النية لمواصلة «تصيد» المزيد، يضيف بُعداً نفسياً جديداً على المعادلة. بات الجندي الصهيوني يظهر بمظهر المهزوم خلف دروعه التكنولوجية، بينما يقف المقاتل الفلسطيني بسلاحه البسيط وإرادته الصلبة ليكتب فصلاً جديداً من فصول المقاومة.

 

السياسة وخيارات المواجهة

 

في الجانب السياسي، يربط مراقبون هذا التصاعد العملياتي بحركة المفاوضات، وإن كان الأمر قد تجاوز مجرد عامل ضغط ليصبح واقعاً قائماً بذاته. فعمليات «عربات جدعون» التي سعت لتحرير الأسرى بالقوة العسكرية باءت بالفشل الذريع، ولم تحقق سوى استعادة ثلاث جثث، فيما تكبدت قوات الاحتلال خسائر فادحة في الأرواح والاعتراف بـ40 قتيلاً منذ آذار الماضي وعشرات الجرحى، ناهيك عن حالات الانتحار المتصاعدة بين صفوف جنودها التي وصلت إلى 14 حالة مسجلة رسمياً هذا العام.

 

التعافي التنظيمي للمقاومة يرعب  الاحتلال

 

لكن اللافت في هذه المرحلة هو ما يتجاوز ساحة المعركة المباشرة، حيث يكمن الخوف «الإسرائيلي» الحقيقي في ذلك التعافي التنظيمي السريع للمقاومة. قدرتها على إدارة عمليات معقدة تتطلب جمع وتحليل البيانات، ووضع الخطط المحكمة، وتنسيق عناصر التنفيذ، وتأمين انسحاب المقاتلين، تجري بوتيرة وكفاءة توازي ما كانت عليه في ذروة قوتها، بل ربما تتجاوزه في بعض الجوانب.

 

إرادة شعب لا تنكسر

 

الأهم من ذلك كله، أن الشعب الفلسطيني في غزة ما زال يقدم خيرة شبانه وقادته، ضامناً استمرار خطوط الإمداد البشري، وقادراً على إدارة موارده المحدودة ببراعة غير مسبوقة. في هذه المعادلة، تبرز حقيقة مفادها أن المقاومة لم تكن يوماً مجرد تنظيم مسلح، بل هي إرادة شعب تجسدت في قوة لا تنكسر، تزداد صلابة مع كل عدوان، وتعيد تشكيل قواعد الصراع بمنطقها الخاص.