أزمة مياه حادة في دمشق... الجفاف يُفاقم المعاناة وحلول المواطنين تُثقل كاهلهم
تعيش العاصمة السورية دمشق أزمة مياه متفاقمة، بفعل الجفاف المستمر وانخفاض غزارة الينابيع الرئيسية التي طالما اعتمد عليها سكان المدينة، مثل نبع الفيجة ونبع بردى. هذه الأزمة دفعت الجهات المعنية إلى تطبيق برنامج تقنين جديد لتوزيع المياه، في محاولة لضبط الكميات المحدودة المتاحة وتوزيعها بعدالة، إلّا أنّ هذا التقنين زاد من معاناة المواطنين، خاصة مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة.
أسباب الأزمة... جفاف وتراجع الموارد
تعاني سورية بشكل عام من تغيرات مناخية حادة، ودمشق على وجه الخصوص بدأت تلمس آثارها المباشرة من خلال تراجع غزارة ينابيعها الطبيعية.
نبع الفيجة، الذي يعد شريان الحياة الأهم للعاصمة، شهد تراجعاً ملحوظاً في تدفق المياه، وكذلك نبع بردى الذي باتت مياهه بالكاد تكفي لأغراض الري أو الاستعمال المنزلي.
تقنين المياه... حل اضطراري يزيد المعاناة
أمام هذا الواقع، شرعت الجهات الرسمية بتنفيذ برنامج تقنين جديد، يتم بموجبه توزيع المياه لأوقات محددة في اليوم أو خلال أيام متفرقة من الأسبوع، ما جعل حصول السكان على المياه ضرورة تتطلب تخطيطاً وتدبيراً، وغالباً ما لا تفي كميات المياه الموزعة بالحاجة اليومية للأسر، خاصة في الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية.
المواطنون يبحثون عن حلول بديلة... خزانات ومضخات بأسعار باهظة
في ظل ندرة المياه، لجأ المواطنون إلى شراء خزانات مياه لتخزين ما يتوفر لديهم خلال ساعات الضخ، واستعمالها في أوقات الانقطاع، وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير في الطلب على هذه الخزانات، ومن ثم ارتفاع أسعارها.
فقد تراوح سعر خزان المياه البلاستيكي بين 400 ألف ليرة سورية وحتى 1,5 مليون ليرة، وذلك حسب السعة والنوعية.
كما اتجه العديد إلى شراء مضخات مياه لزيادة ضغط المياه أو سحبها من الخطوط الضعيفة أو من خزانات أرضية إلى الطوابق العلوية. أسعار هذه المضخات تراوحت بين 300 ألف ليرة إلى مليون ليرة سورية، وذلك حسب استطاعتها ونوعها ومصدرها، ما يعني أن تكلفة تجهيز منزل لحل مشكلة المياه بشكل جزئي لا تقل عن مليون ليرة، وهي تكلفة كبيرة على شريحة واسعة من السوريين الذين يعانون أصلاً من أوضاع اقتصادية صعبة.
صهاريج المياه... حل إسعافي لكنه مكلف
مع تفاقم المشكلة، انتعشت خدمات تعبئة المياه عبر الصهاريج، وهي ظاهرة باتت شائعة في عدة أحياء في العاصمة.
هذه الصهاريج تعمل على تعبئة خزانات المواطنين عند الضرورة، إلّا أنّ التكلفة ليست بسيطة، إذ إن تعبئة خزان من سعة 5 براميل (نحو 1000 لتر) قد تصل إلى 200 ألف ليرة سورية أو أكثر، ما يشكل عبئاً مالياً إضافياً على العائلات، خاصة إذا تكررت الحاجة لهذه الخدمة أكثر من مرة شهرياً.
فاتورة مائية جديدة وسط أزمة اقتصادية خانقة
في المحصلة، أصبحت أزمة المياه تفرض على سكان دمشق فاتورة شهرية جديدة تضاف إلى فواتير الكهرباء، والغاز، والمواد الغذائية، والمستلزمات الأساسية الأخرى.
فتكلفة تأمين المياه باتت تتجاوز أحياناً دخل الفرد الشهري، ما يعمّق الأزمة المعيشية في بلد يرزح تحت وطأة تضخم مرتفع، وضعف دخل، وشبه غياب للدعم الحكومي في بعض القطاعات.
أزمة تتطلب حلولاً مستدامة
تُظهر أزمة المياه في دمشق الحاجة الماسة إلى حلول استراتيجية مستدامة، تشمل ترميم شبكات المياه القديمة، وتحسين كفاءة التوزيع، والبحث عن مصادر بديلة، سواء عبر حفر آبار جديدة أو استخدام تقنيات إعادة التدوير وتحلية المياه.
فمع ارتفاع درجات الحرارة عاماً بعد عام، تبدو الحاجة ملحّة لتحرّك سريع يضمن الحد الأدنى من الأمن المائي لسكّان العاصمة.