90% «المعترين» و10% «الحرامية»... هذا هو الفرز الحقيقي!
نقصد بأبناء الـ90%، عامة الشعب السوري المفقر والمقموع والمضطهد طوال عقود، والذي يعيش تحت خط الفقر، وهؤلاء ينتمون إلى كل القوميات والأديان والطوائف والمذاهب. ونقصد بالـ10% وربما هم أقل من ذلك في الحقيقة، الناهبين وتجار الحرب والفاسدين الكبار والمجرمين؛ وهؤلاء أيضاً موجودون ضمن كل القوميات والأديان والطوائف والمذاهب، بل وأيضاً ضمن كل الاصطفافات السابقة «المؤيدة» و«المعارضة»...
تجري بشكلٍ حثيث محاولة خلق صراعٍ يتم على أساسه قسم السوريين وتحويلهم إلى حزبين متعارضين متنافرين متصارعين؛ حزب مع «العلمانية»، وآخر مع «الإسلامية».
هل ينبغي التذكير بأن الشعب السوري، ونقصد الـ90% الذين تحت خط الفقر، قد جرى قسمهم طوال 14 سنة بين «مؤيد» و«معارض»؟ وماذا كانت النتيجة؟ هل وقف على خطوط القتال أصحاب الأموال وتجار الحرب و«النخب السياسية» من «المؤيدين» و«المعارضين»؟ أم أن من وقف وقاتل وقتل ودفع أثماناً باهظة قتلاً واعتقالاً وتهجيراً وفقراً، هم أبناء الـ90%؟
هل ينبغي التذكير بأن النظام بالدرجة الأولى، وأقساماً من المعارضة الشبيهة به بالدرجة الثانية، قد عملوا على قسم السوريين على أسس طائفية وقومية ودينية ومذهبية لكي يتحول الدم السوري إلى أداة في الحفاظ على السلطة أو في السعي وراءها؟
هل يريد البعض ممن يدفع المجتمع السوري للانقسام بين «علمانية» و«إسلامية»، أن يكرس معادلة النظام حول «حماية الأقليات» بوجه «الأكثرية»؟
ألم تعلمنا التجربة المريرة أن الأكثرية الحقيقية والوحيدة في سورية هي الـ90% من السوريين، المفقرين المقموعين المضطهدين، الذين دفعوا بدمائهم ومعاناتهم أثمان الصراع، في حين جرى تحويل دمائهم إلى رصيد مالي وسياسي لمصلحة «النخب السياسية» المتصارعة؟
من يريد «العلمانية» فليناضل من أجلها، ومن يريد «الإسلامية» فليناضل من أجلها، فهذا جزء من الحرية التي يريدها الشعب السوري، ولكنها ليست كل الحرية، وليست حتى الجزء الأهم منها!
الحرية التي يريدها الشعب السوري، تعني ضمن ما تعنيه:
1- تعددية سياسية حقيقية، تقوم على أساس برامج سياسية شاملة، تقدم للسوريين لكي يختاروا منها ما يقتنعون بأنه في مصلحتهم.
2- تعني إعادة توزيع للثروة بشكلٍ عادلٍ بحيث ننتهي من الفقر والتبعية الاقتصادية والاقتصاد المتهالك، ومن الفساد والسرقات وتقديم مصالح التجار ورجال الأعمال على مصالح عامة الناس.
3- تعني إجماعاً وطنياً عابراً للطوائف والأديان والقوميات حول مصالح البلاد واتجاهاتها.
4- تعني عدالة حقيقية جوهرها ليس الانتقام، بل تنظيف الجروح العميقة تمهيداً لإغلاقها وتعافيها.
5- تعني الذهاب نحو حالة سياسية متطورة تحترم مختلف الثقافات والأديان والطوائف والقوميات في البلاد وتعطيها حقوقها، ولكن في الوقت نفسه، تحقق مواطنة متساوية يكون فيها السوري مساوياً للسوري، أياً يكن دينه أو طائفته أو قوميته أو جنسه.
في النهاية، هل ينبغي التفكير بأن من يرفعون شعار «الإسلامية» ومن يرفعون شعار «العلمانية»، وبغض النظر عن نواياهم، إنما يخدمون بعضهم البعض؟ كيف؟
ببساطة، لأنهم بالمعنى العملي الملموس، يقسمون المجتمع السوري بين «أكثريات» و«أقليات» على أسس دينية وطائفية ومذهبية، وهذا أقصى ما يتمناه تجار الحروب وبعض «نخب السياسة»؛ أي أن نتحول كمجتمع إلى مجموعات معزولة متنافرة تتبع لقادتها، وتعادي الآخرين وفقاً لمصالح قادتها... وبكلمة يجري تفتيت نضالات 90% من السوريين على شيعٍ وفرقٍ ونحلٍ متعارضة، بحيث يتمكن «السادة» من مواصلة استعبادنا ونهبنا ولكن بوجوه جديدة وأسماء جديدة...
السلطة سقطت وفرت غير مأسوف عليها، ولكن النظام ما يزال قائماً! طالما أن توزيع الثروة والسلطة ما يزال في مصلحة الـ10% فإن النظام لم يسقط بعد... وعلينا كشعب سوري، كأبناء الـ90% أن نتعلم من تجربتنا، وأن ننحي الأدوات التي يجري استخدامها لقسمنا ضد بعضنا البعض عبر شعارات متعددة، وأن نوحد صفوفنا لاستكمال النصر عبر بناء نظام جديدٍ مختلفٍ جذرياً، وبالدرجة الأولى ببعده الاقتصادي-الاجتماعي، أي بطريقته في توزيع الثروة!