منتدى شراكة روسيا-أفريقيا 2024 ومواجهة التحدّيات العالمية
يأتي المؤتمر الوزاري الأول لمنتدى شراكة روسيا-أفريقيا الذي انعقد في شهر تشرين الثاني الحالي في مدينة سوتشي، كأحد أهم الأحداث لتعزيز التعاون بين روسيا والدول الأفريقية. ويعكس هذا المنتدى استمرار الشراكة بين الجانبين في ظل تحديات سياسية واقتصادية تواجهها كل من روسيا وأفريقيا، كان من أبرزها آثار الحرب الروسية الأوكرانية وأزمات الطاقة والغذاء في العالم. ويأتي هذا المنتدى بعد أيام قليلة من انعقاد قمة البريكس واستكمالاً للمسار الذي تتبنّاه روسيا بتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع دول الجنوب العالمي وبشكل خاص مع الدول الأفريقية، التي تعتبرها روسيا من أهم محاور التغييرات العالمية ومساهماً رئيساً في صياغة النظام العالمي الجديد، نظراً لموقعها وثرواتها البشرية والطبيعية والدور الهام الذي يمكن أن تلعبه على الساحة الدولية في مجال إنهاء الاستعمار الغربي وإيقاف نهبه.
ويبدو أن القادة الأفارقة يرون في تعزيز علاقاتهم مع روسيا والدول الصاعدة فرصة تاريخية لبناء شراكات ندّية تتيح لهم تحقيق التنمية مع الحفاظ على سيادتهم بعيداً عن إملاءات الغرب، حيث يؤكّد الروس وعلى لسان الرئيس بوتين كما ورد في كلمته في قمة فالداي بأنّ روسيا «بعكس خصومنا، لا ترى الحضارة الغربية عدوّاً، ولا تطرح سؤال (نحن أم هم)، أو (من ليس معنا فهو ضدنا)، نحن لا نقول ذلك أبداً. ونحن لا نريد أن نعلّم أيَّ أحد أيَّ شيء، أو نفرضَ نظرتَنا للعالم على أيِّ أحد».
أبرز نتائج المنتدى
أعرب المشاركون عن ضرورة تعزيز الشراكة في مجالات متعدّدة منها مكافحة الإرهاب، والرعاية الصحية، والأمن الغذائي، والطاقة. وشهد المنتدى توقيع اتفاقيّات عدّة، ولا سيّما في المجالات العسكرية التقنية مع نحو 33 دولة أفريقية. كما اختتم أعماله بإعلان وثيقة مشتركة أجمع عليها الحاضرون ترسم خرائط طرق للعديد من مجالات التعاون بين موسكو والقارة الأفريقية. وناقش المجتمعون أيضاً دور أفريقيا في عالم متعدد الأقطاب، حيث قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الكلمة الختامية بأنّ القارة الأفريقيّة «يجب أن تكون، وستكون أحد عناصر هذا العالم».
مواقف بعض الوفود المشاركة في العلاقات الروسية الأفريقية
أكد وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، على أهمية الشراكة بين روسيا وأفريقيا، مبرزاً الدعم الروسي التاريخي لأفريقيا في مواجهة الاستعمار وقال: «نشيد بالشراكة بين روسيا وأفريقيا، فهي تقوم على إرث تاريخي متجذر في الدعم الثمين، الذي لاقته الدول الأفريقية من الأصدقاء الروس إبّان الكفاح ضد الاستعمار والاحتلال والهيمنة الأجنبية». كما دعا عطاف إلى إنهاء الاستعمار والتهميش الذي تعانيه القارة في المؤسسات الدولية، مثل مجلس الأمن والمنظمات الاقتصادية العالمية. كما أكد التزام الجزائر بمبدأ الشراكة العادلة لتحقيق الأمن والازدهار للجميع.
ودعا وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، إلى توسيع آفاق التعاون بين روسيا وأفريقيا في مجالات الأمن الغذائي والطاقة، مؤكداً بأن «الشراكة بين روسيا وأفريقيا التي تتميز بإمكانيات نمو واضحة، يجب أن ترتكز على الأولويات الأساسية للقارة الأفريقية» وضرورة «الإنصات لصوت أفريقيا واحترامه على الصعيد الدولي».
وقال ولد مرزوق وزير الخارجية الموريتاني، الذي تترأس بلاده رئاسة الاتحاد الأفريقي: «أما بالنسبة لاستيراد الحبوب، فإن روسيا تقوم بتوريد أكثر من 50% من الحبوب إلى أفريقيا». معبراً عن امتنانه لروسيا على هذا الدور والدعم.
أما وزير خارجية دولة مالي، عبد الله ديوب، فقد رفض الانتقادات التي طالت بلاده بعد تحالفها مع روسيا إثر الانقلاب العسكري والانسلاخ عن الشراكة مع فرنسا، متهماً الغرب بـ«السعي إلى ضرب بلاده» فقط بسبب التعاون مع موسكو. وجاءت هذه التصريحات في ندوة ضمن فعاليات المنتدى بعنوان «روسيا-أفريقيا ومأزق الحقيقة» حيث أكد ديوب أنّ بلاده «لم تعزّز الشراكة مع روسيا بسبب ما روّج له البعض بأنّ باماكو ذهبت للبحث عن مالكٍ جديد لها».
وأضاف الوزير المالي أنّ بلاده «ترى روسيا كشريك للتعاون، وليس بمنطق الرؤية الاستعمارية، التي كان على مروّجيها أن يتخلّوا عنها أولاً».
وأشار إلى أنّ «مالي تعتبر نفسها محظوظة بالدعم الروسي لها في زمن التحديات التي يفرضها الغرب عليها، خاصة على مستوى مجلس الأمن»، مردفاً: «حان الوقت لكي تخرج أفريقيا عموماً من هذه الهيمنة».
وأشاد مساعد وزير الخارجية المصري للمنظمات والتجمعات الأفريقية أشرف سويلم بالتعاون القائم مع روسيا، بما في ذلك مشروع المنطقة الصناعية الروسية في مصر. كما أشاد سويلم بالتعاون مع روسيا في مشروعات عملاقة يتم تنفيذها في مجالات البنية الأساسية والطاقة، وشدد على أن هذا التعاون يعد نموذجاً للتعاون الأفريقي-الروسي.
وأكد وزير خارجية بوركينا فاسو، كاراموكو جان ماري تراوري، دعم بلاده القوي لتعزيز العلاقات مع روسيا، مشيراً إلى أن هذه الشراكة «أكثر ملاءمة» لاحتياجات البلاد مقارنةً بالتحالف التاريخي مع فرنسا. وأضاف: «نعرف ما نريده، ونعرف إلى أين نتجه، وكيف نرغب في العمل مع شركائنا الجدد».
السياسة الروسية في أفريقيا في ظل العقوبات الغربية
يشير المنتدى إلى سعي روسيا لتعزيز وجودها في أفريقيا كجزء من سياستها الخارجية في مواجهة العقوبات الغربية. وقد أظهرت روسيا اهتماماً بتوسيع نفوذها عبر التعاون الاقتصادي والأمني، حيث أكد لافروف أن موسكو ترغب في شراكة متكافئة مع أفريقيا بعيداً عن الضغوطات الغربية.
وأشارت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، إلى أنّ المنتدى الوزاري الروسي الأفريقي الأول يمثل التزاماً روسياً بالدفاع عن مصالح الشعوب الأفريقية وضمان تمتعها بمكانة متساوية في النظام الدولي. وأوضحت أن هذا الحدث يتيح للدول الأفريقية الحديث بثقة وعلى قدم المساواة مع الآخرين، بعيداً عن دورها التقليدي كمورّد للمواد الخام لخدمة ما يُعرف بالمليار الذهبي. وأكدت على أهمية المنتدى لأفريقيا، التي تحتاج للتعاون مع قوى عالمية للمضي قدماً وحل مشكلات الفقر ونقص الفرص، مشيرة إلى أن هذه التحديات هي نتاج حقبة استعمارية سعت لفرض تبعية دائمة على القارة.
روسيا تشكر تركيا على جهودها في عقد أعمال المنتدى الوزاري
أعربت متحدثة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عن شكرها للدور التركي في إنجاح فعاليات المنتدى، حيث قدّمت تركيا التسهيلات اللازمة للوفود الأفريقية للوصول إلى روسيا، نظراً للعقوبات المفروضة على شركات الطيران الروسية، بما في ذلك «إيروفلوت»، كما قالت زاخاروفا قالت: «لكي يتمكن ممثلو القارة الأفريقية من الطيران إلى روسيا كان لا بدّ من القيام بالكثير من العمل الذي لا يزال مستمراً».