«النشوة الإسرائيلية»... ستتبخر أسرع بكثير مما يتوقع!
يعقد الإعلام العبري مقارنات طريفة في خضم حالة النشوة العامة التي يعيشها الكيان بعد الضربات المؤلمة التي تلقاها حزب الله خلال الأسبوعين الماضيين. بين أكثر تلك المقارنات طرافة، مقارنة ما جرى مؤخراً بحرب عام 1967، والتي تسمى في الأدبيات العربية «نكسة حزيران»، وفي أدبيات الكيان تحمل اسمين: «حرب الأيام الستة» و«النصر السريع».
في مقابلة فيديو أجرتها صحيفة النهار اللبنانية مع توماس فريدمان ونشرتها يوم أمس، ورغم الكم الهائل من البروباغاندا التي يلقيها فريدمان على رؤوس مستمعيه، إلا أنه يقرّ بحقيقة أساسية: «يمكنك تدمير حزب الله بقدر ما تشاء، لكن يمكن لمقاتلٍ واحد فقط من الحزب أن يطلق صاروخاً واحداً يومياً على المطلة أو مزارع شبعا. صاروخ واحد يومياً، ولن يتمكن أي إسرائيلي من العودة إلى الشمال»، ويقر أيضاً بأن: «الحديث عن النصر لا يزال مبكراً جداً».
يقارب فريدمان بكلامه هذا، وإنْ بشكلٍ غير مباشر، جوهر المشكلة التي يعيشها الكيان: عملية الاستنزاف طويلة الأمد؛ ولذا يحاول الدفع نحو مخارج تقوم على العودة إلى مسار اتفاقات أبراهام، بما في ذلك «بدء تفاوض حول حل الدولتين»، على الطريقة الأمريكية المعتادة...
بالعودة إلى الهلوسات العبرية السائدة – والتي يندرج القسم الأعظم منها في إطار الحرب النفسية أو الأماني، أكثر مما يندرج في إطار القناعات المؤسسة على الوقائع- تبرز أمامنا جملة من الحقائق:
أولاً: إذا كانت نشوة 67 قد استمرت حتى 73، أي لمدة ست سنوات، فإن القانون الموضوعي لتسارع التاريخ، يكفي وحده للقول إن النشوة الحالية ستدوم فترة أقل بكثير من ذلك، ولكنه لا يحدد منفرداً بكم ستكون أقل...
ثانياً: بين 67 و73 كان النظام العالمي السائد هو نظام ثنائية قطبية على السطح، ولكن بالعمق، وكما أثبت مسار التاريخ الملموس، فإن القطب السوفياتي كان قد دخل مرحلة الانحدار والتراجع وصولاً إلى الانهيار عام 91... أي أن التاريخ في حينه، بمعنى موازين القوى، كان يسير في مصلحة «إسرائيل» كمشروع استعماري استيطاني يستخدمه القطب الصاعد آنذاك ويدعمه. بالمقابل، فإن المعركة اليوم، تجري في ظل أحادية قطبية شكلية، وثنائية قطبية عملية، مع فارق إضافي هو أن المتراجع ضمنها هو القطب الداعم لـ«إسرائيل»، بل والقطب الذي تشكل الصهيونية أحد أهم مراكزه.
ثالثاً: في 67 و73، كانت الحرب هي حرب جيوشٍ نظامية، ولم تكن حرباً غير متناظرة (أي بين فاعلٍ «دولتي» وفواعل «غير دولتية»- جماعات مقاتلة)، كما هو الحال الآن. ولذا فإن إسقاط النشوة السابقة على الحالية، نشوة إسقاط الجيوش على إسقاط قادة الجماعات المقاتلة، لا يستقيم علمياً ولا عملياً؛ فكما يقول فريدمان محقاً، يكفي أن يبقى مقاتل واحد من حزب الله يمكنه إطلاق صاروخ واحد يومياً على الشمال الفلسطيني المحتل، حتى تستمر المعركة، وحتى يُحرم الصهيوني من النصر، ويحرم من حاجته الملحة إلى إيقاف عملية الاستنزاف- «عملية سلق الضفدع» التي يعيشها، فكيف الحال إذاً، ليس بوجود مقاتل واحد وصاروخ واحد، بل بعشرات آلاف المقاتلين وعشرات آلاف الصواريخ والمسيرات وصنوف أخرى متعددة من الأسلحة؟
أعلن جيش الاحتلال يوم أمس عن بدئه بـ«عمليته البرية»، والمعطيات حتى اللحظة هي أنه لم يدخل، ولكنه يقوم بقصف تمهيدي مهولٍ عملاً بسياسة الأرض المحروقة، أملاً في ألا تتكرر الكوارث التي تعرض لها عام 2006، وأشهرها مجزرة الدبابات في وادي الحجير في الجنوب اللبناني. المعطيات تقول أيضاً، أنه ومنذ الآن يتلقى ضربات مباشرة وهو لم يدخل الأرض اللبنانية بعد.
المؤكد أنه سيتمكن من الدخول، أمتاراً أو كيلومترات، وربما حتى وصولاً إلى الليطاني. ولكن المؤكد أيضاً أنه سيدفع تكاليف مهولة، وسيتم استنزافه كما جرى في غزة، وبشكلٍ مضاعف عدة مرات بالضرورة لعدة أسباب واضحة: (المساحة الجغرافية الهائلة مقارنة بغزة، عدد المقاتلين الهائل مقارنة بغزة، الطبيعة الجغرافية شديدة التعقيد مقابل سهلية أرض غزة، المخازين الاستراتيجية الهائلة من العتاد مقارنة بغزة، الإمدادات التي ستبقى مفتوحة حتى وإن انخفضت طاقتها، مهما حاول «الإسرائيلي» إطباق الحصار من كل الجهات، إضافة إلى الخبرات المتراكمة والتحضيرات عبر سنوات منذ 2006).
المؤكد ضمن المعركة الجارية، وأياً تكن السيناريوهات التي ستمر بها، هو الأمور التالية:
- إن أصر «الإسرائيلي» على تحقيق هدفه المعلن بإعادة المستوطنين إلى الشمال، فهذا يعني أن المعركة ستطول شهوراً وربما أكثر.
- إن طالت المعركة، فإن احتمالات ومخاطر توسعها ستزداد مع كل يوم.
- وكلما طالت المعركة، فإن حجم الاستنزاف الذي سيعانيه الصهيوني سيزداد ويتضاعف على مختلف الصعد، بما في ذلك ليس فقط استمرار تهجير المستوطنين من الشمال، بل واحتمال زيادة عددهم، وزيادة عدد المهاجرين باتجاه واحد من الكيان إلى أصقاع الأرض المختلفة، من حيث أتوا.
- ستكون الخسائر هائلة على الصعيد الإنساني في لبنان، وسيعمد العدو لرفعها إلى حدود مهولة في محاولة لقسم المجتمع من الداخل، وليس بعيداً أن تجري محاولات خلق حربٍ داخلية على أسس مختلفة بينها الطائفي... وهذا احتمالٌ ينبغي العمل ضده بكل طاقة ممكنة، لأن «الإسرائيلي» يعلم أنه الاحتمال الوحيد الذي يعطيه أملاً في نصرٍ ما.
وربما أهم النتائج على الإطلاق، هو أن الحرب التي مر عليها حتى الآن ما يقرب من عام، وهي الحرب الأطول في تاريخ الكيان، ومع كل يومٍ إضافي ضمنها، ومع كل توسيع إضافي يجري عليها، تتحول من معركة ضمن جملة معاركة متتابعة بين مد وجزر كما كان الحال سابقاً، إلى معركة نهائية ووجودية للكيان، لن يكون السؤال حولها هو هل سيخرج منتصراً أم خاسراً... بل هل سيخرج أساساً...