ضمن الوضع المتفجر، تسوية مع تركيا... باتت أكثر إلحاحاً!

ضمن الوضع المتفجر، تسوية مع تركيا... باتت أكثر إلحاحاً!

تتدحرج عملية التصعيد في مجمل منطقتنا بشكلٍ متسارع أكثر فأكثر، وتزداد معها المخاطر بقدر ما تزداد الفرص.

الأيام القليلة الماضية، التي تلت اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، أظهرت أن تأجيج نيران الفوضى الهجينة الشاملة الأمريكية-«الإسرائيلية»، جارٍ على قدمٍ وساق؛ فبمجرد جرت عملية الاغتيال، طفت إلى السطح مظاهر متعددة في كل من لبنان وسورية والعراق ومناطق أخرى، تعيد إلى الذاكرة أجواء «الفالق السني-الشيعي» أيام العراق بعد 2003، وأيام داعش وأشباهها في سورية.

ليس من الصعب على أي مراقب موضوعي أن يلمس حجم العمل الإعلامي النفسي الهائل باتجاه إعادة إحياء هذا النوع من الفوالق والعمل على تعزيزها مجدداً، وهو الأمر الذي تنزلق إليه أوساط شعبية تقودها الآلام التي عانتها خلال السنوات الماضية، ولكن تقوده وتغذيه جهات بعينها على رأسها «الإسرائيلي» وحلفاؤه من المطبعين... تجري ضمناً محاولة إعادة قسم الناس تحضيراً لضربهم ببعضهم بعضاً وفق وصفة «اتفاقات أبراهام» و«الناتو العربي» و«صفقة القرن»...

في السياق السوري، نرى بوضوحٍ محاولات بث الروح مجدداً في الانقسام السياسي الموجود أساساً، ليس بوصفه انقساماً يهدف للتغيير السياسي في سورية أو منع ذلك التغيير، بل كانقسام بين «مؤيدي إيران» و«مؤيدي واشنطن» بل ووصولاً إلى تأييد البعض الضمني أو العلني للكيان.

وفي هذا السياق نفسه، تجري محاولات بث الروح مجدداً في جبهات الموت والتدمير الداخلية، ويظهر هذا بأوضح صوره في الشمال الغربي في سورية بزعامة النصرة وأيضاً بانقسامات كبرى، كامنة وظاهرة، ضمن ما يسمى «الجيش الوطني» و«الفصائل».

يمكن للمرء أن يقرأ تصريحات أردوغان الأخيرة بعد اغتيال نصر الله، بطرق متعددة. نقصد تلك التصريحات التي قال فيها: «"إسرائيل" ترتكب إبادة جماعية بغزة وهجمات إرهابية في لبنان وتستفز الدول لجر المنطقة إلى محرقة. العدوان "الإسرائيلي" يشمل تركيا أيضاً. سنقف ضد هذا الإرهاب بكل الوسائل المتاحة لدينا من أجل وطننا وشعبنا واستقلالنا. الإدارة "الإسرائيلية" التي تتحرك من منطلق هذيان الأرض الموعودة تضع الأراضي التركية نصب عينيها بعد فلسطين ولبنان».

نقول إنه من الممكن قراءة هذه التصريحات من زوايا متعددة، بينها ما يلي:

  • مجرد عملٍ إعلامي سياسي لرفع العتب، خاصة داخلياً.
  • عمل إعلامي سياسي يحاول الحفاظ على نفوذ معنوي معين ضمن العالم الإسلامي.
  • تحضير إعلامي سياسي في إطار التنافس الإقليمي مع «إسرائيل»، التي ستحتل بالضرورة جزءاً من مساحة النفوذ الإقليمي التركي في حال تمكنت من النجاح أو التقدم في حربها.

ولكن إضافة إلى هذه القراءات المعقولة والمنطقية، هنالك قراءة منطقية أخرى، هي أن أردوغان يشعر بتهديد حقيقي أمريكي «إسرائيلي» لتركيا ونظامها وأمنها القومي، ويرى مؤشرات ملموسة على ذلك، ربما بين أقلها وزناً، ولكن أكثرها وضوحاً، الانقسام الحاصل في الشمال الغربي السوري... وانطلاقاً من مصالح براغماتية واستراتيجية، يمكن لأردوغان أن يفهم أن تركيا نفسها مستهدفة بالفوضى الهجينة الشاملة، ومهددة بالتفجير من الداخل، وبالضغط عليها من محيطها.

تسمح هذه القراءة بتقدير مدى خطورة ما يجري تحضيره ليس في تركيا فحسب، بل وفي سورية أيضاً، وانطلاقاً من أماكن متعددة فيها، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً...

وتسمح هذه القراءة أيضاً بالإضاءة على الأهمية القصوى، والضرورة الملحة لنزع فتائل التفجير بسرعة، عبر منع تجدد الجبهات وتجدد الفوضى... وهذا طريقه هو تسوية سورية تركية برعاية أستانا والصين وبعض الدول العربية الأساسية، وبالتوازي والتلازم مع البدء بالحل السياسي الشامل على أساس 2254...