في رفح… هل ينقلب السحر على الساحر؟

في رفح… هل ينقلب السحر على الساحر؟

منذ إعلان جيش الاحتلال رفضه لاتفاق الهدنة الأخير، وبداية «معركة رفح»، التي تحدّث عنها طويلاً، ظهرت جملة مؤشرات جديدة تؤكد في معظمها استنتاجات سابقة حول طبيعة وأهداف العدوان الصهيوني المدعوم أمريكياً على القطاع، وما هي الارتدادات التي يمكن توقّعها مع استمرار هذه الحرب وخصوصاً بعد إعلان جيش الاحتلال سيطرته على معبر صلاح الدين «فيلاديلفيا».

ظهر مجدداً الدور الأساسي للولايات المتحدة في الرسم والتخطيط لهذه الحرب، فبعد سلسلة من الأكاذيب حول «رفض معركة رفح» تبين أن واشنطن تدعم هذا العدوان الجديد، بل وترى فيه مصلحة أمريكية. لكن ذلك لم يلغ السؤال الأهم حول الهدف الفعلي من هذا العدوان الجديد؟

ماذا يريدون من رفح؟

يمكننا أن نقّدم بإيجاز بعضاً من الأفكار التي يجري تداولها حول رفح، فمن المعروف أن جيش الاحتلال وحكومة الحرب الصهيونية ظلّوا يركزون على أن «كسب الحرب في عزّة» لا يمكن أن يتم إلّا بعد تنفيذ عملية في رفح، والتي تحوّلت بالفعل لفصل جديد من فصول العدوان على غزّة وشعبها.

فما تحاول «إسرائيل» الترويج له هو أن «القضاء على حماس» يتطلب تنفيذ هذه العملية، على أساس أن «حماس تملك كتائب أساسية متواجدة في رفح». وفي معلومات أخرى يقال إنّ: «الرهائن موجودون في رفح». أي إن الدعاية كانت تقدّم هذه «المعركة الجديدة» بوصفها خطوة باتجاه «القضاء على حماس وتحرير الرهائن».

لكن ما بات واضحاً أن «القضاء على حماس» هدف لا يمكن تحقيقه، فالسيطرة على الأرض في كثير من مناطق القطاع لم تكن سيطرة حقيقية، والأوضح أن المناطق التي تعتبر خاضعة للاحتلال وتحديداً في شمال غزّة كانت مسرحاً لعمليات موجعة نفذتها المقاومة ضد قوات الاحتلال هناك مؤخراً. ولا يمكن على هذا الأساس توقّع نتائج مختلفة في رفح.

لا يختلف الوضع كثيراً عند الحديث عن المستوطنين والجنود المحتجزين لدى فصائل المقاومة في غزّة فلا يمكن الافتراض بأنّهم موجودون في رفح أو أي مكان آخر محدد، فمن المؤكد أن المقاومة حرصت على إبقائهم في أماكن مختلفة وهو ما لا يحتاج الكثير لإثباته.

إن كان تحقيق هذه الأهداف يبدو بعيداً كل البعد عن الواقع، فما الذي دفع الكيان لتنفيذ هذه العملية إذاً؟

من هنا يمكننا رصد جملة من الأفكار أهمّها مرتبط بمصر، فمنذ بداية الحرب كان من الواضح أن الهدف الأمريكي والصهيوني هو رفع مستوى الضغط على مصر إلى درجة كبيرة، مع وضع ملف التهجير على الطاولة كعامل ضغط إضافي.

وما إن انتقلت الحرب إلى رفح، ازدادت مستويات الضغط على مصر بشكل كبير، وتحديداً على المستوى الداخلي، ثم جاءت إعلانات جيش الاحتلال لتعقّد المسألة أكثر، فبعد السيطرة على محور صلاح الدين، قال الاحتلال إنه عثر على 20 نفقاً يمر بين القطاع والأراضي المصرية، وإن هناك 82 فتحة تحت الأرض يجري التحقيق حول طبيعتها، ما دفع الجانب المصري لرفض هذه الادعاءات.

تضمن معركة رفح الحالية مجموعة من المسائل بالنسبة «لإسرائيل» والولايات المتحدة، فمن جهة ينسجم هذا القرار مع الهدف في إدامة الاشتباك إلى أطول مدة ممكنة، ويمكن لمعركة جديدة من هذا النوع أن تقدّم مادة غنية للاستثمار إعلامياً داخل الكيان، وخصوصاً مع ارتفاع الأصوات المشككة في جدوى الحرب وإمكانية تحقيق أهدافها، فالناطق الرسمي لجيش الاحتلال دانييل هغاري، قال في مؤتمرٍ صحفي: «إن حماس استخدمت محور فيلادلفيا كشريان أوكسجين لتهريب وسائل قتالية إلى داخل قطاع غزة بشكل دائم». ومن هنا يجري تقديم السيطرة على هذه المنطقة بوصفه «انتصاراً» على أساس أن قطع «شريان الأوكسجين» من شأنه أن «يضعف قدرات حماس».

وفي الوقت نفسه، تقول الصحافة إن النتائج لن تكون سريعة، أي أن الحرب مستمرة لوقت أطول حتى بعد السيطرة على رفح.


كلمات عن مصر

خطوات جيش الاحتلال الأخيرة هي انتهاك واضح لاتفاقية كامب ديفيد، التي تنص وضوحاً على أن «إسرائيل» يجب أن تلتزم بعدد محدود من القوات في المناطق الحدودية «أربع كتائب حسب الاتفاقية» بينما ينشر الكيان الآن أكثر من فرقتين عسكريتين هناك، هذا السلوك زاد من حجم التهديد والضغوط التي تتعرض لها مصر، وتحديداً مع مستويات مرتفعة من الاستياء لدى الشعب المصري.

فأحد الأمثلة على هذا هو أن الإعلان عن وجود أنفاق بين مصر وغزّة من شأنه أن يشكّل إرباكاً، فالموقف الرسمي المصري سوف يميل، كما حدث، لإنكار صحة هذه المعلومات، ما يمكن أن يزيد من مستوى الضغط داخلياً. الموقف المصري حتى اللحظة يبدو هادئاً ولكن خرق الاتفاقية من قبل الكيان سيفرض دون شك إجراءات مصرية جوابية، وخصوصاً أن المعركة المشتعلة بالقرب من سيناء المصرية وهو ما لا يمكن تجاهله أمنياً وعسكرياً.

تتفق معظم الأصوات داخل الكيان أن «معركة رفح» يجب أن تدار بدقة حتى لا تتحول إلى صدام عسكري مع مصر، لكن هذا لا يعني أن الكيان والولايات المتحدة لا يحاولون استهدافها بشكل خفي والضغط عليها، ما يجعلنا أمام اختبار جديد وحقيقي لإمكانية تحقيق الهدف الأمريكي الأساسي من هذه الحرب، وهو تفجير المنطقة وجرّها إلى مستوى جديد ونوعي من الفوضى.

اللحظة الحالية شديدة الدقة فالسلوك الأمريكي-الصهيوني يمكن أن يدفع الأمور باتجاه يخالف مصالحهم، فهناك داخل مصر قوى كثيرة ترفض اتفاقية التطبيع مع الكيان، وبالتأكيد هناك وزن لهذه القوى داخل جهاز الدولة المصري، ويمكن لهذه القوى في ظروف كهذه أن تسير خطوة بعيداً عن كامب ديفيد وما يعنيه ذلك من ابتعاد عن الولايات المتحدة، وخصوصاً أن تحقيق هذا الهدف يبدو ممكناً بالاستناد إلى توازن قوى عالمي جديد مع مزاج شعبي داخلي وإقليمي ملائم، ما يمكن أن يجسد لحظة مفصلية في تاريخ المنطقة.