«بريكس» تقطع شوطاً جديداً في طريق «إزالة الدولرة»

«بريكس» تقطع شوطاً جديداً في طريق «إزالة الدولرة»

تتزايد المؤشرات والتحليلات حول خطة الدول الأعضاء في مجموعة بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا) لإنشاء عملة احتياطية عالمية (أو أداة تسوية مالية دولية) جديدة ستواجه هيمنة الدولار الأمريكي. وفي لقاء قادة بريكس الذي بدأ اليوم في جنوب أفريقيا، ستتم مناقشة هذه الخطوة المهمة ودراسة آفاقها من جانب دول المجموعة التي تشترك فيما بينها أنها ضحية لاستخدام الدولار كأداة لفرض العقوبات والحروب التجارية، مما دفعها إلى السعي للتحرر من النظام المالي الأمريكي.

لكن لماذا لا يزال الدولار محافظاً على وضعه كعملة احتياطية عالمية؟ عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، تم اعتماد الدولار الأمريكي كعملة احتياطية رئيسية في اجتماع الحلفاء في «بريتون وودز». آنذاك كان الدولار مرتبطاً بمعيار الذهب بمعدل 35 دولاراً للأونصة.

لكن في عام 1971، اضطرت الولايات المتحدة لفصل الدولار عن الذهب بسبب نقص الاحتياطيات الذهبية. وبعد بضع سنوات، تمت محادثات بين وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر وملك السعودية فيصل للاتفاق على استخدام الدولار كمعيار لتسعير النفط (أو ما عرف بنظام البترودولار). وكجزء من هذه الاتفاقية، وافقت الولايات المتحدة على تقديم الدعم العسكري للمملكة. كما اتفق أعضاء منظمة أوبك على بيع النفط مقابل الدولار، ما تسبب في طلب زائد على الدولار ناتج عن حاجة المشترين للنفط، وهكذا استمرت هيمنة الدولار.

ما الذي تغيّر الآن؟

لم يعد خافياً أن عهد الدولار كعملة احتياطية عالمية على وشك الانتهاء. في عام 2021، وقَّعت السعودية وروسيا اتفاقية تعاون عسكري اعتبرها كثيرون في ذلك الوقت إشارة إلى بدء انعطافٍ في علاقة السعودية مع الولايات المتحدة كضامن وحيد لأمنها.

وفي المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان عن فتح المجال لتجارة النفط بعملات أخرى بجانب الدولار. هذه الخطوة هي الأولى من نوعها منذ نصف قرن تقريباً أسست لتسارع لاحق في تدهور هيمنة الدولار الأمريكي.

وفي قمة بريكس العام الماضي، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن المجموعة تعمل على إنشاء «عملة احتياطية دولية»، ليصار إلى وضع هذا الموضوع على جدول أعمال قمة هذا العام. وخرجت الكثير من الأخبار هنا وهناك حول أن هذه العملة ستكون مدعومة بالذهب، وهو تحول تاريخي يمكن أن يؤمن استقراراً لهذه العملة الجديدة، سواء أخذت شكل العملة أو شكل أداة للتسويات بين الدول.

لم تعد الولايات المتحدة القوة رقم واحد

في موازاة ذلك، تراكم البنوك المركزية حالياً احتياطات الذهب. وخلال الشهرين الأولين من عام 2023، قامت دول مثل سنغافورة وتركيا والصين وروسيا والهند بشراء كميات كبيرة من الذهب. وهذا يشير إلى استعداد الدول للانتقال إلى استخدام الذهب كداعم للعملة الجديدة هذه أو غيرها. واليوم، بينما نرى تراجع حصة الدولار في احتياطات البنوك المركزية وقد بات أمراً واقعاً، تتزايد في العالم كله مؤشرات التخلي عن الدولار.

على مر العقود، اعتُبرت الولايات المتحدة وحلفاؤها القوة المهيمنة رقم واحد عالمياً. لكن رغم ذلك، يضمّ تجمع بريكس حالياً 40% من سكان العالم و31.5% من إجمالي الناتج العالمي. هذا دون حساب الدول الأخرى التي تطلب الانضمام قريباً وبعيداً.

ومع تقليل الاعتماد على الدولار، ستبدأ البنوك المركزية في بيع احتياطاتها من الدولار. هذا سيؤدي إلى تضخم مفرط، وزيادة حادة في أسعار الفائدة الرئيسية لتعويض تراجع القدرة الشرائية، وتراجع قيمة السندات، مما سيؤدي بالضرورة إلى تفاقم الأزمة في الولايات المتحدة.