"النصرة" ترفض "ميثاق الشرف"... ومخاوف من انهيارها - الغرب "ينظم" التقاتل بين الفصائل و"الجهاديين"
اختبار قدرة المعارضة السورية المسلحة على مواجهة "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) والنظام السوري في آن واحد، مقابل أسلحة نوعية يوماً ما مع توافر الضمانات بأن كل الأيدي التي تقاتل الجيش السوري أصبحت آمنة من أي عدوى إرهابية.
واللائحة الذي تم فيها ترتيب جبهات المواجهة المقبلة للمعارضة السورية، تتطابق مع أولوية إعادة هيكلة المعارضة السورية المسلحة وتوجيهها نحو مكافحة الإرهاب، التي يتطلع "أصدقاء سوريا"، من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والخليج وتركيا، إليها في الأشهر المقبلة.
وبحسب مصدر أمني فرنسي، فقد عملت وزارات الداخلية الأوروبية والولايات المتحدة، بعد اجتماع بروكسل قبل أسبوعين، مع دول الجوار من الأردن وتركيا، على توحيد غرف العمليات في انطاكيا، من أجل إحداث فرز واضح، داخل المجموعات "الجهادية" المسلحة، واستعادتها من يد الاستخبارات السعودية والتركية بأكبر قدر ممكن، وفصلها إلى ثلاث مجموعات، الأولى "معتدلة" يمثلها الرهان على "جبهة ثوار سوريا" وقائدها جمال معروف، وهي المجموعة التي لم تدع إلى توقيع "ميثاق شرف ثوري" لاعتبارها محور "الاعتدال" البديل من "الجيش الحر" المحطم. أما المجموعة الثانية فتضم الجماعات "الجهادية" التي تدين بالولاء للاستخبارات السعودية والقطرية، والتي تبقى مقبولة في كتلة الحرب على الإرهاب في سوريا، حتى ولو كانت ذات منحى "قاعدي" مثل "أحرار الشام"، شريطة ألا تكون مرتبطة ببيعة لأمير "داعش" أبي بكر البغدادي، أو أمير "النصرة" أبو محمد الجولاني.
ويقول المصدر إن خبراء في مكافحة الإرهاب اقترحوا أن تقوم الأجهزة السعودية والقطرية، باستخدام نفوذها لدى "الجبهة الإسلامية"، وخصوصا "أحرار الشام"، و"ألوية الفرقان"، و"جيش المجاهدين"، و"لواء الإسلام"، لتسريع عملية إعادة الهيكلة الجارية منذ أسابيع داخل هذه الجماعات، وحثها على نقل القتال مع "داعش"، إلى "النصرة" التي تستقبل العدد الأكبر من المقاتلين الأوروبيين، والأجانب عموما. ووعد الأوروبيون والأميركيون بتسريع تسليم أجهزة اتصال وتنصت متقدمة، وإعداد كوادر على العمل عليها، وتبادل معلومات مع غرفة عمليات واستخبارات في إنطاكيا.
ويقول المصدر إن الأجهزة الأوروبية والسعودية باتت تتفق على أنه ينبغي على الفصائل الإسلامية، التي تموّلها السعودية وقطر والسلفية الكويتية والاستخبارات التركية، أن تقوم بدور الحاجز أمام تدفق المقاتلين الأوروبيين. وباتت عملية التخلص منهم في سوريا ومنع عودتهم إلى أوروبا أولوية كبرى.
وتشارك الدول الخمس الأوروبية المصدرة لـ"الجهاديين"، الولايات المتحدة والأردن وتركيا والسعودية، غرفة عمليات أمنية مشتركة، لتوجيه العمليات نحو تعقب ما يقارب ثلاثة آلاف مقاتل قدم معظمهم من بريطانيا وفرنسا وهولندا وألمانيا وبلجيكا، وتحديد مساراتهم، وقتل أكبر عدد ممكن منهم في البؤرة السورية المفتوحة. وكانت غرفة عمليات إنطاكيا قد نجحت بالتنسيق مع قيادة "أحرار الشام"، التي يلتقيها الأميركيون بشكل متواصل، في إعداد "ميثاق ثوري"، يمهد لفصل "النصرة" عن بقية الجماعات "الجهادية"، ويعزل نواتها الأوروبية عن بقية الجماعات.
ويقول المصدر إن مجموعة من خبراء مكافحة الإرهاب الأوروبيين والأميركيين، سيعملون من إنطاكيا على تنسيق عمليات الفصائل "الجهادية" الموقعة على "ميثاق الشرف"، واختبار قدرتها على تنفيذ تعهداتها، بمنع تسرب الأوروبيين نحو البؤرة السورية، في إطار "سورنة الحرب" بالكامل، والإعداد لتحولات نحو الاعتدال في بنية المجموعات "الجهادية". إذ تعهدت في صيغة مبهمة، بالقتال من أجل إسقاط النظام لبناء دولة الحرية والعدل، من دون أن تفصح عن طبيعة الدولة، متخلية شكلياً عن الأهداف الواردة في مواثيقها كلها، ببناء "الدولة الإسلامية الراشدة". كما ضمنت صراحة في ميثاقها بنداً صريحاً، يقضي بالتعامل مع القوى الإقليمية والدولية، فيما كانت "أحرار الشام" أكثر وضوحا، بنص ميثاقها على التعامل مع أجهزة الاستخبارات بناءً على تعليمات قائدها حسان عبود (ابو عبدالله الحموي).
وتمنح التبديلات الفرنسية والأميركية الأخيرة المشرفين على المعارضة السورية، السياسية والمسلحة، مؤشرات قوية على تصدر مكافحة الإرهاب ما عداه من أهداف سياسية تتعلق بإسقاط النظام، أو تعديل ميزان القوى العسكري في المدى القريب، إذ حل دانيال روبنشتاين محل السفير الأميركي جون فورد في الإشراف على المعارضة السورية. وبالتزامن حل السفير الفرنسي فرانك جيليه محل السفير الفرنسي اريك شوفالييه. وعمل السفيران الجديدان بشكل واسع في بغداد قبل أعوام قليلة: الفرنسي بصفة أمنية لدى استخبارات بلاده الخارجية في مدينة كانت موقعا متقدما لمراقبة الجماعات "الجهادية"، والأميركي كمشرف على أجهزة الاستخبارات الأميركية فيها. ويعني ذلك أن إدارة المعارضة السورية المسلحة في المرحلة المقبلة، ستركز على المزيد من الأداء الأمني، خصوصا مع انعدام احتمالات العودة إلى أي عملية سياسية في الأشهر المقبلة.
ويبدو الاستعجال الغربي إلى تكوين جبهة جديدة لمواجهة "داعش" و"النصرة" معاً مقروناً بالمخاوف من أن تنهار "النصرة" نفسها في الأشهر المقبلة، بعدما فقدت الكثير من قادتها في القتال مع "الدولة الإسلامية"، واحتمال أن تنقل "النصرة" قريباً المعركة مع "الجهاديين" الذين لم يبايعوا البغدادي إلى معاقلهم الأساسية في الريف الحلبي.
وكانت "النصرة" قد شكلت، مع "أحرار الشام"، رأس الحربة في قتال "داعش" حتى الآن. ومن المحتمل أن تؤدي خسارتها لمعقلها الأقوى في دير الزور، وهو ما تدل عليه مسيرة المعارك، إلى تقدم "داعش" شمالا، ونقله المعركة إلى حلب، حيث سيساعد على ضرب تجمعات المعارضة "الجهادية"، ويخترق جبهاتها في الريف الحلبي، وينشر الفوضى في مناطقها وخطوط إمدادها الخلفية، ويزعزع إستراتيجية الاستخبارات التركية والسعودية والغربية بمواصلة استنزاف الجيش السوري على الجبهات الحلبية، بعد تراجع معاقلها في الغوطة، وسقوط حمص، واستعادة الجيش السوري المبادرة في درعا جنوبا وكسب شمالا.
وتبدو علامات الانهيار، في تراجع "النصرة" عن خوض معارك واسعة، لا سيما في درعا، التي تخلت فيها عن مواجهة ألوية "الجيش الحر" الأخيرة بعد اعتقالها قائده أحمد فهد النعمة. وإذا ما تأكد ما قاله "أمير النصرة" المنشق قائد "كتيبة العقاب" بلال الشواشي عن احتجاز "المفتي الشرعي للنصرة" أبي ماريا القحطاني للجولاني في معقله في الشحيل، فسيكون ذلك مؤشرا واضحا على اتجاه "النصرة" إلى التصدع. وليس سرا أن أبا ماريا يؤيد دعوة زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري إلى الهدنة مع "داعش"، فيما يصر الجولاني على متابعة الحرب مهما كلف الأمر مع خصمه البغدادي على زعامة "الجهاد" السوري.
وقدمت "النصرة" في الساعات الأخيرة، ما يوحي بقرب الطلاق مع موقعي "الميثاق"، من دون أن يرفق ذلك باتهامات الردة ووجوب قتال الميثاقيين كما فعل "داعش". إذ فند بيان "النصرة" بنود الميثاق بندا بندا، فاعتبرت نقد الغلو والتطرف انبطاحا وتخاذلا، ورفضت اقتصار "الجهاد" على دفع الفصائل وإسقاط النظام عسكريا من دون رفع رايات الحاكمية.
واتهمت الموقعين بالتعاون مع محاربي الإسلام لقبولهم التعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية ولم تقنعها "تقية" المجموعات "الجهادية"، التي غلفت مواثيقها الداعية إلى إقامة دولة إسلامية في سوريا، ببند ينشد إقامة دولة العدل والحرية. وصارحت "النصرة" أن "الجهاد" في سوريا "لا معنى له إذا لم يفضِ إلى إقامة حاكمية الشريعة في بلاد الشام".
وفي باريس، استعاد "الائتلاف الوطني السوري" المعارض طريقه إلى درج الاليزيه، من دون أي تغيير في الإطار والخطاب السياسي الفرنسي، أو تجديد في تعاطي الحد الأدنى عسكريا وسياسيا، كما تنصح الأجهزة الأمنية الفرنسية، مع استمرار الصخب والترويج الإعلامي عملا بمشيئة الخارجية الفرنسية.
وبعد لقاء فرنسوا هولاند، أمس، مع وفد "ائتلافي" قاده احمد الجربا، قدم الرئيس الفرنسي وعداً بتوفير مبنى لـ"السفير الائتلافي" منذر ماخوس. ويعد الوعد بتوفير المبنى ووضعية البعثة الأجنبية، محاكاة لما سبقت إليه الولايات المتحدة وبريطانيا في منح "الائتلاف" مبنى ووضعية ديبلوماسية.
وكانت الأجهزة الأمنية الفرنسية قد عرقلت، طوال العام الماضي، منح "الائتلاف" المبنى المنشود. وشكا ماخوس إلى هولاند ولمقربين مرات عديدة معاناته مع الاجهزة الامنية، التي كانت قد اقترحت عليه مقراً لبعثة "الائتلاف"، خمس مرات متتالية العام الماضي، قبل أن تفشل بنفسها في تحويله إلى مقر نهائي لحجة عدم توافر الشروط الأمنية.
وقريبا من الجربا، وعلى منبر مجاور، ردد هولاند شبه اعتذار عن انشغال العالم بقضية أوكرانيا وأزمة القرم عن المعارضة السورية ومشاكلها، لكنه كرر ما يقوله دائما، في العام الرابع للأزمة السورية، ساخرا من "مهزلة الانتخابات الرئاسية" لكن مضيفاً العنصر الجديد في خطاب "أصدقاء سوريا"، الذي يطالب "الائتلاف" بالانضواء معها، في الحرب الجديدة على الإرهاب في سوريا. وقال "إننا درسنا ما يمكن فعله، لكي يتمكن الائتلاف من الدفاع عن نفسه، ليس ضد النظام السوري، ولكن ضد قوى إرهابية جديدة".
ورد الجربا بتكرار الطلب التقليدي قائلا "تحتاج ذراعنا العسكرية إلى المزيد من الأسلحة، ونحن نحارب الإرهاب، لذا نطالب بالدعم لتقوى ذراعنا في نضالها ضد الإرهاب"، مدللا أنه قد بدأ يستوعب أولويات الفصل الجديد من الحرب السورية.
المصدر: السفير