كوريا الجنوبية تقترب من المحظور و «ترشّ على الموت سكّر»!
في مسعى منها لرشّ «السكر على الموت»؛ تتأهّب كوريا الجنوبية لرسم علاقات «مستقرّة» مع روسيا، عبر ممارسة «فنّ التجميل السياسي» المترافق مع دعم العقوبات المفروضة على موسكو. فها هي تطلّ اليوم بـ «استراتيجية جديدة» تأتي تحت وطأة الوقائع الجديدة والضغوط المتزايدة في محاولة منها للرقص على الحبلين الشرقي والغربي معاً وبآن واحد!
وفي الاستراتيجية المسمّاة «استراتيجية الأمن الوطني» لإدارة رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول تستعرض كوريا الجنوبية «رقصة استراتيجية» تسعى عبرها لتحقيق توازنٍ ما بين المصالح المتضاربة؛ فقد جاء عبر الاستراتيجية الجديدة أنّ البلاد ستستمرّ بالمشاركة في العقوبات ضدّ روسيا بشكل جادٍّ ومكشوف، بينما تسعى في الوقت نفسه لبناء علاقات ثنائيّة «مستقرة» مع موسكو، وهو أمر يضع العديد من إشارات الاستفهام والتعجّب ويشي بتخبّط ما يجري داخل أروقة نظام الحكم في البلاد.
تذكر الحكومة الكورية في الاستراتيجية المعلَن عنها قبل حوالي أسبوع أنها ستواصل فرض العقوبات على روسيا وتقديم مساعدات إنسانية لأوكرانيا. وأنها ستستمر في التعامل الدبلوماسي بشأن القضايا الرئيسية التي تتطلب التعاون مع روسيا، في حين ستعمل على تقليل الخسائر الاقتصادية الناجمة عن العقوبات. ويأتي ذلك بالتزامن مع الاتهامات الموجّهة ضدّ روسيا بأنها تستخدم موارد الطاقة كأسلحة، الأمر الذي تصفه روسيا بالـ «الهراء» على لسان رئيسها فلاديمير بوتين.
مجمل هذا الكلام يشير إلى أن كوريا الجنوبية بدأت تعاني الآن من تخبّط وعدم توازن جرّاء زوبعة السياسة الأمريكية التي حمّلت البلاد أثقالاً مضاعفة. وعلى ما يبدو قد بدأ الرئيس الكوري يراجع سياسة بلاده على وقع المتغيرات الجديدة، بما يذكّر بالقول الشهير لكيسنجر: «أن تكون عدواً لأمريكا فهذا خطر، لكن أن تكون صديقاً لها فهذا أخطر»!
تجد كوريا الجنوبية نفسها اليوم في وضع صعب بين همّين؛ الأمن والاقتصاد، وبين الرغبة في الحفاظ على العلاقات الجيّدة مع الغرب من جهة، والرغبة في رسم علاقات جيّدة مع الشرق، عبر معادلة سياسية صعبة. ولعلّ ما يزيد من صعوبة المعادلة، هو أن كوريا الجنوبية تجد نفسها في وضع معقَّد، فهي بين أمريكا التي تدفع باتجاه استخدامها كورقة ضغط في مواجهة كوريا الشمالية والصين، وبين روسيا التي ترى في التحركات الغربية تهديداً مباشراً لأمنها المباشر ولمصالحها الاستراتيجية على المستوى الدوليّ.
وفي هذا السياق يمكن تفسير سير البلاد على الخطى الأمريكية بسببين أساسيين:
- الوضع المتوتّر في شبه الجزيرة الكورية والشعور بالتهديد حيال ذلك.
- التدهور الاقتصادي الذي يبدو أنه أصبح تدهوراً كبيراً وفق ما تكشفه نسب النمو المتراجعة التي هبطت تحت الصفر مع أواخر العام الفائت 2022 والتي لم تسجّل إلّا نموّاً طفيفاً خلال الربع الأوّل من هذا العام (المصدر: tradingeconomics.com).
ومن هنا، فإنَّ ما يشير إليه الواقع الاقتصادي الحالي لكوريا الجنوبية ومآلاته اللاحقة هو أنّ البلاد تعاني الآن من حالة من الركود المستمر والذي يبدو أنه سيكون طويل الأمد. ووسط هذا الواقع جرت وتجري حتى الآن زحزحة كوريا الجنوبية باتجاه ما تريده أمريكا بالتدريج، فقد تم جرّها باتجاه عقوبات على روسيا، ثم تم جرّها وتوريطها بتسليح أوكرانيا بشكل غير مباشر عبر الشراء الأمريكي للأسلحة الكورية وإرسالها إلى أوكرانيا.
ينبئ الواقع الحالي بأن كوريا الجنوبية ذاهبة باتجاه أوضاع شديدة الصعوبة ومعقّدة تحت تأثير جملة من العوامل، لكن أهمها علاقتها بأمريكا والتركيبة الغربية. فنظراً إلى الشكل الذي وضَعَتْ به أمريكا أوكرانيا في وجه روسيا، وتايوان في مواجهة الصين، ليس من المستبعد إطلاقاً أن يكون التفكير الأمريكي يتجه نحو وضع كوريا الجنوبية بوجه كوريا الشمالية أو الصين، وجرّها إلى تحالفات من نوع محدّد لا مصلحة حقيقية لكوريا بها؛ تحالفات تأتي بإطار الاستراتيجية الأمريكية الدائمة لزعزعة الأمن العالمي، وصنع شريط من المناطق غير المستقرة حول العالم.
وفي ختام هذا القول، ينبغي الإشارة إلى أن حجم التناقضات لدى كوريا الجنوبية كبير وأنها تعاني الآن من مخاطر كبرى لا تسمح لها باللعب كثيراً مع الولايات المتحدة الأمريكية في حقيقة الأمر، لكن يبدو أنه لا يوجد أمام كوريا الجنوبية الكثير من الخيارات، وذلك بحكم النفوذ الأمريكي فيها من ناحية، وتركيبة السلطات الكورية من ناحية أخرى.