وزير الدفاع الصيني في موسكو… بعض ما يمكن قوله
تخطو الصين وروسيا خطوةً جديدة كلّ يوم في إطار تمتين العلاقات الثنائية ونقلها إلى مستويات نوعيّة لم نشهدها من قبل، ولا تمرّ مناسبةٌ إلاّ ويُذكِّر الطرفان فيها بطبيعة علاقتهما المختلفة، التي ينظران إليها بوصفها نموذجاً جديداً للعلاقات الدولية.
بعد زيارة مهمّة قام بها الرئيس الصيني إلى روسيا، تبيّنَ مجدَّداً أنّ الجارَين يدركان أنّ العالَم يعيش تغييرات ثوريّة، وأعلنا عزمهما على قيادتها لبناء عالمٍ جديد، بدأنا بالفعل نتلمّسُ ملامحَه. وفي هذا السياق وبعد أسابيع قليلة من انتهاء زيارة الرئيس شي جين بينغ، أعلنتْ بكين عن زيارة وزير الدفاع الصيني إلى موسكو، ما أثار الكثير من التساؤلات التي لم تجد جواباً وافياً فيما جرى تداوله حول الزيارة.
استكمالٌ لما بدأه شي جين بينغ
شُحُّ المعلومات المتداوَلة حول الموضوع أمرٌ بديهيّ وخصوصاً أنّ الحديث يدور عن تطوير التعاون العسكري الروسي-الصيني، ولا يخفى على أحد أنَّ البلدَين استطاعا حتى اللحظة تحقيقَ قفزاتٍ جديّة في هذا الخصوص، ولا تُشكّلُ المناورات العسكرية المستمرّة إلا أحد الجوانب الظاهرة من المسألة. ورغم حساسية الموضوع، نَقلتْ وسائلُ الإعلام تصريحاتِ المسؤولين وبعض ما جرى خلال هذه الزيارة.
إذْ بدأتْ زيارةُ وزير الدفاع، الجنرال لي شانغفو، يوم 16 من شهر نيسان الجاري، وانتهت في 19 من الشهر ذاته. والتقى خلال زيارته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الدفاع سيرغي شويغو، وكانت الأيام الأربعة مكتظة بـ «اجتماعات عمل» جمعت الوزير الصيني مع بوتين، وذلك حَسَبَ ما صرّح به المتحدِّثُ باسم الكرملين دميتري بيسكوف. وفي هذا الخصوص يبدو واضحاً أنَّ زيارة وزير الدفاع في هذا الموعد بالذات ما هي إلا خطوةٌ لاستكمال ما بدأه الرئيس الصيني في زيارة الأخيرة، التي وضع خلالها مع نظيره الروسي اتجاهاتِ التطوُّر العام، والخطوات التي ينبغي للبلدَين اتخاذها في هذا الخصوص، ليستكملَ وزيرُ الدفاع الصيني لاحقاً الغوصَ في التفاصيل التقنية-العسكرية بعد أنْ ثبّت الرئيسُ الإطارَ السياسي.
ماذا تقول التصريحات؟
في تصريحاتٍ نقلتها وسائل الإعلام عن الجنرال الصيني المرموق، قال: «هذه هي أول زيارة لي إلى الخارج منذ تولّي منصب وزير الدفاع الصيني. لقد اخترتُ روسيا تحديداً للتأكيد على الطبيعة الخاصّة والأهمّية الاستراتيجية لعلاقاتنا الثنائية». وأضاف أنّ علاقات البلدَين أصبحتْ في «غاية الاستقرار» وقال إنها: «قوية للغاية وتتخطّى التحالفات العسكرية والسياسية خلال حقبة الحرب الباردة»، وأكّد وزير الدفاع مجدَّداً على أنّ «العلاقات الثنائية الصينية-الروسية دخلتْ فعلاً حقبةً جديدة» وأنّ بلاده: «مستعدة للعمل مع روسيا لتكون لدى جيشَي البلدين اتصالات استراتيجية وثيقة».
من جانبه أشار الرئيس الروسي إلى أنَّ البلدَين «يعملان بشكل نشط من خلال الإدارات العسكرية، ويتبادلان بانتظام المعلومات المفيدة، ويتعاونان في المجال العسكري التقني، ويجريان تدريبات مشتركة»، أمّا وزير الدفاع الروسي فقد أبرز أهمّية «التقييم الروسي-الصيني المشترك لاتجاه التحوّل الجاري حالياً في المشهد الجيوسياسي العالمي».
ما يستحق الذكر
يُعَدُّ الجنرالُ الصيني واحداً من العسكريين الخبيرين في مجالات حسّاسة، فالوزير الجديد مختصٌّ في هندسة الطيران، وعَمِل لمدة 31 عاماً في مركز «شي تشانغ» لإطلاق الأقمار الصناعية، وكان رئيساً له طوال عشر سنوات. هذا بالإضافة إلى أنه عمل سابقاً في ميدان الدفاع السيبراني والفضاء، ويملك خبرة كبيرة في الحروب الأخرى عالية التقنية. يضاف إلى رصيد لي أنه عُيِّنَ سابقاً مديراً لإدارة تطوير المعدّات في اللجنة العسكرية المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وعرّضهُ نشاطُه في هذه الإدارة لعقوباتٍ أمريكية، وتحديداً بعد انخراطِه في تأمين توريدات من السلاح الروسي المتطوِّر مثل منظومات الدفاع S-400 وطائرات Su-35.
يمكن النظر إلى أنّ تعيين لي شانغفو وزيراً للدفاع، حملَ بحدِّ ذاته رسائلَ سياسية مهمّة، فهو مشمولٌ بالعقوبات الأمريكية من جهة، وقد كان على علاقة طيّبة بروسيا في أثناء وجوده في إدارة تطوير المعدّات عام 2018، وتعدّ الخلفية العلمية والعسكرية والتقنية التي يتمتع بها الوزير الصيني إشارةً إلى أنّ بكين تُولي أهمّية خاصَّة للحروب عالية التقنية ومهتمّة بتطوير منظومات الدفاع الجوي التي يمكن لروسيا أنْ تقدِّمَ عوناً جدّياً فيها، وتحديداً بعد أنْ كان الرئيس بوتين أعلن أنَّ بلادَه قدّمت العون لبكّين في إنشاء نظام إنذارٍ صاروخي مبكر، من شأنه أنْ يعزِّز بشكل كبير القدرة الدفاعية للصين. إذ تملك روسيا خبرةً أكبر في تطوير وتشغيل أنظمة من هذا النمط ويعمل البلدان منذ سنوات على بناء أنظمة متكاملة فيما بينهما، ما يسمح لهما ببناء شبكة دفاع صاروخي عالمية خاصّة بهما حسب ما أشار بعض الخبراء العسكريّين.