أمام أعين الغرب ورغماً عنه: نهجٌ جديدٌ يشقّ طريقَه في البرازيل!
خلال أول زيارة دولة يقوم بها للصين منذ توليه منصبه مرة أخرى؛ حثّ الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا الدول النامية على التخلّي عن الدولار في التجارة الدوليّة لصالح عملاتها المحلية. كما دعا «لولا» في 13 نيسان/أبريل 2023 مجموعة دول البريكس (البرازيل والصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا) إلى إنهاء هيمنة الدولار عليها وتطوير عملتها البديلة لاستخدامها في التجارة.
وما قبل ذلك بفترة وجيزة، أعلنت كلّ من البرازيل والصين عن توصّلهما إلى اتفاق للتخلّي عن الدولار، واستخدام عملتيهما المحليّتين في تعاملاتهما التجارية الثنائية، حيث تعدّ الصّين الشريك التجاري الأكبر للبرازيل، وقد بلغت قيمة التبادل التجاري بينهما حوالي 150 مليار دولار خلال العام الماضي 2022.
وفي السياق، كانت قد كشفت البرازيل عن بدء العمل التحضيري مع الأرجنتين بهدف إصدار عملة مشتركة، وتعزيز التجارة الإقليمية وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي. كما تخطّط الدولتان إلى دعوة دول أخرى في أمريكا اللاتينية للانضمام إلى اتحاد العملة الموحدة في خطوة اعتبرها البعض قد تؤدي إلى إنشاء ثاني أكبر كتلة عملة موحدة في العالم، كتلة تمتلك ما يقرب من 5% من إجمالي الناتج العالمي.
وفي ختام زيارته للصين، شدّد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، على أنّه من الواجب أن تتوقّف الولايات المتحدة عن تشجيع وتغذية الحرب في أوكرانيا، وأن تبدأ هي والاتحاد الأوروبي بالحديث عن السّلام، مشيراً إلى أنّ بلاده عادت إلى الساحة الدوليّة، وتأمل بلعب دور الوسيط في النزاع الدائر في أوكرانيا الآن.
ويلاحظ المتابع للأمر أنه وفي إطار تفاعلها مع مجمل هذه التصريحات والتوجهات البرازيلية، فإن أمريكا والغرب عموماً غير راضيَين عمّا يجري، ولا تروق لهم المتغيرات الجديدة التي رسمتها البرازيل خلال فترة قصيرة لم تتجاوز عدّة أشهر منذ أن عاد واستلم لولا دا سيلفا مقاليد الحكم في البلاد.
ولهذا ربما أحدثت التصريحات المشار إليها أعلاه ضجيجاً كبيراً، ومثل ذلك ما نراه في تصريح لمنسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، الذي اعتبر أن البرازيل تردّد ما أسماه الدعاية الروسية والصينية دون النظر إلى الحقائق بشأن الوضع في أوكرانيا، وهذا ما رفضته البرازيل في إطار ردّها عليه عبر وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا.
وليس من المستغرب أن يكون السلوك الغربي على هذا الحال في الحقيقة، فمنذ تولي «لولا» منصبه رسميّاً كرئيس للبلاد في الأول من كانون الثاني/يناير 2023، بدأ نهجٌ جديدٌ يشقّ طريقه في البرازيل؛ نهجٌ له دلالاته السياسيّة في الداخل والخارج، ومثّل النهاية فعليّاً للنهج السابق للحكومة اليمينية الغربية، والتي توصف بكونها الحكومة الأكثر تشدّداً منذ عقود.
النهج المقصود تمثّل داخليّاً بإعادة تأميم شركات الدولة التي خصخصها سلف «لولا» جايير بولسونارو، حيث قرّر «لولا» إلغاء خصخصة 8 شركات مملوكة للدولة، بينها شركتا النفط والغاز «بتروبراس» و«كوريوس بوست» في بلدٍ وصفها بأنها تعيش «في حالة شحّ» بظلّ «الطريقة غير المسؤولة» في الإدارة لسلفه الليبرالي الذي غادر البلاد باكياً قبل يومين من تنصيب «لولا»، والذي يقيم الآن في أمريكا.
أمّا خارجياً، فتعدّ الاتجاهات الجديدة للبرازيل في الحديث عن التبادل بالعملات المحلية ومهاجمة الدولار والدعوة للتخلي عنه، والدفع باتجاه السلام وتسوية الحرب في أوكرانيا، والتي تصبّ مصبّ الاتجاهات العالمية التي تفرضها روسيا والصين؛ نهجاً خارجياً جديداً وضروريّاً سيساهم في إعادة الحضور والوزن للبلاد.
مجمل هذه المعطيات، والتي حدثت خلال زمن قياسيّ، تشير إلى أن الزعيم اليساري والمتحدر من تاريخ حافل بالنضالات العمالية والنقابية، قد بدأ بالفعل بتنفيذ برنامجه، ومن المرجّح أن يمثّل هذا فاتحة خير للبلاد التي وعدها «لولا» بإعادة البناء، ولأهل البلاد الذين تلقّوا وعوداً بالقضاء على الجوع.