ما هو الوزن الفعلي لقرار «الجنائية الدولية» توقيف بوتين؟

ما هو الوزن الفعلي لقرار «الجنائية الدولية» توقيف بوتين؟

أثارت الأخبار حول إصدار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بتهمة «جرائم الحرب»، الكثير من الضجة في وسائل الإعلام. الأمر الذي أثار أسئلة عدة تخطت البحث في أسباب القرار الذي تقف خلفه نخبة الحكم في الغرب والآثار الفعلية التي يمكن أن تترتب عليه، لتصل إلى حدود نقاش الدور الفعلي لهذه المحكمة واحتمال بقاءها على قيد الحياة لاحقاً من عدمه.

منذ بداية الحديث عن الحاجة إلى إنشاء محكمة دولية دائمة تتعامل مع «القضايا التي تندرج تحت تعريف الإبادة الجماعية» بعد الحرب العالمية الثانية، أدت الخلافات بين الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي (روسيا والصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا) إلى دفن هذه الفكرة تماماً. لكن مع اشتداد تراجع القطب المعادي للهيمنة الغربية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عاد الحديث ليرتفع حول «ضرورة» هذه المحكمة. وبحجة «الصراعات العرقية» في يوغوسلافيا ورواندا وما تلاها، استطاع الحلف الغربي عقد مؤتمر دولي دبلوماسي في مدينة روما الإيطالية عام 1998، ووقع ممثلو 120 دولة على ما يسمى «نظام روما الأساسي» الذي بات فيما بعد الأساس القانوني لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية.

حتى تاريخ اليوم، هنالك 31 دولة وقعت على نظام روما لكنها لم تصدقه، بينما رفضته 41 دولة بالكامل. ومن بين الدول التي رفضت الاعتراف بسلطة المحكمة الجنائية الدولية (إما وقعت ولكنها لم تصدق، أو وقعت لكنها سحبت توقيعها لاحقاً، أو لم توقع على الإطلاق) هناك روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية والهند وإيران وأوكرانيا وبيلاروسيا وجميع جمهوريات آسيا الوسطى ما بعد الاتحاد السوفيتي.

ثلاث نقاط حول المحكمة

في التعاطي الإعلامي مع الحدث خلال الأيام الماضية، غالباً ما جرى إهمال العديد من النقاط ذات الأهمية حول المحكمة:

أولاً: المحكمة الجنائية الدولية، ومقرها في مدينة لاهاي الهولندية، ليست جزءاً من بنية الأمم المتحدة (يجري الخلط والالتباس كثيراً بينها وبين محكمة العدل الدولية التي تقع في لاهاي أيضاً).

ثانياً: قرارات المحكمة لا تلزم أحداً، وهي ملزمة نظرياً فقط للبلدان التي تعترف بسلطة المحكمة.

ثالثاً: لا تنطبق سلطة المحكمة إلا على حالات الجرائم المرتكبة على أراضي الدول التي صدّقت على نظام روما الأساسي، أو من قبل مواطني الدول التي صدقت على نظام روما الأساسي.

ومن هذا يتضح أن لا أساسَ قانونيٌّ فعليٌّ لقرار المحكمة مؤخراً، حيث لم تصدق على نظام روما الأساسي لا روسيا، ولا الشخصان المتهمان (الرئيس الروسي وأمينة مظالم الأطفال في الاتحاد الروسي ماريا لفوفا بيلوفا)، ولا أوكرانيا التي يُزعم أن الجرائم ارتكبت على أراضيها. أي أن هذه المحكمة لم يكن لها الحق في النظر في هذه القضية، لأنها لا تدخل ضمن صلاحياتها.

وهناك استثناء واحد لهذه القاعدة: حيث يجوز للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق إذا تم التصويت على هذا القرار من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكن هذا لم يحدث، ولو كان قد اتخذ، لما تم تمريره بسبب حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به روسيا.

لكن على ما يبدو، فإن واشنطن التي تعودت في مرحلة هيمنتها على تغيير قواعد اللعبة كلما كانت هذه القواعد تقف عائقاً في طريقها تحاول العمل بالعقلية ذاتها مجدداً.

استهلاك مؤسسات مرحلة الهيمنة الأمريكية

بعيداً عن التفاصيل القانونية المرتبطة بالقرار (مثل أن المحكمة أصدرت قرارها بناءً فقط على أدلة الادعاء... وغير ذلك)، فإن السؤال لا يزال يدور حول السبب في أن 18 قاضياً في المحكمة الدولية اتخذوا قراراً غير مهم من الناحية القانونية والعملية وغير قانوني وينتهك الوثيقة الأساسية التي تحدد نطاق أنشطتهم. وهو السؤال الذي أجابت عنه بعض الشيء وزيرة خارجية النمسا السابقة، كارين كنيسل، في مقابلة لها أكدت فيها أن «المحكمة تعرضت لضغوط من الولايات المتحدة والعديد من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. وهذا يظهر فقط مدى تسييس المحكمة الجنائية الدولية».

لكن كما تبرهن تجربة السنوات القليلة الماضية، كلما استخدمت واشنطن وسائل جديدة - سواء كانت فعلية أم خلبية- في المواجهة مع القوى الصاعدة في العالم، كلما حكمت على هذه الوسائل بالزوال والتفكك. وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الأوكراني ذاته حين أعلن عن أن التفاف عدد كبير من الدول على هذا القرار سيهدد بانهيار فعلي للمحكمة الجنائية الدولية. وبالفعل، سرعان ما أعلنت كل من جنوب أفريقيا والبرازيل وصربيا وعدد كبير من الدول الموقعة على نظام روما عدم التزامها الفعلي بالقرار الأخير.